الخارجية الألمانية.. هجمات المستوطنين على مساعدات غزة وصمة عار    اكتشاف جديد قد يحل لغز بناء الأهرامات المصرية    رسميا.. سلوت يعلن توليه تدريب ليفربول خلفا لكلوب    قيس سعيد يُعجّل بتنقيح الفصل 411 المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد.    سعيّد يأذن بتنقيح فصولا من المجلة التجارية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    تأجيل قضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي    أب يرمي أولاده الأربعة في الشارع والأم ترفضهم    خلال لقائها ببودربالة...رئيسة مكتب مجلس أوروبا تقدّم برنامج تعاون لمكافحة الفساد    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    عاجل/ احتجاجات ليلية وحرق للعجلات في هذه الولاية..    وزير الفلاحة: المحتكرون وراء غلاء أسعار أضاحي العيد    دقاش: افتتاح فعاليات مهرجان تريتونيس الدولي الدورة 6    الديوانة تحجز سلعا مهربة فاقت قيمتها ال400 مليون    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده    خلال نصف ساعة.. نفاد تذاكر مباراة الأهلي والترجي في «نهائي إفريقيا»    Titre    الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية: نسبة النفاذ للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية في تونس تناهز 55 %    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    القبض على عنصر إجرامي خطير مفتش عنه دوليا في هذه المنطقة    حاولوا سرقة متحف الحبيب بورقيبة الأثري...القبض على 5 متورطين    الكاف: مهرجان ميو يحتفي بفلسطين    عاجل/ بطاقة إيداع بالسجن ضد سعدية مصباح    وزارة الفلاحة تدعو الفلاحيين الى القيام بالمداواة الوقائية ضد مرض "الميلديو" باستعمال أحد المبيدات الفطرية المرخص بها    القيروان انقاذ طفل سقط في بئر    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    تقريرنقابة الصحفيين: ارتفاع وتيرة الاعتداءات على الصّحفيين في شهر أفريل    كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار – مدير عام معهد الإحصاء    القيروان: الاحتفاظ ب 8 أشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوت هويّة ويعملون بشركة فلاحيّة    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    إتحاد الفلاحة: المعدل العام لسعر الأضاحي سيكون بين 800د و1200د.    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    سوسة: وفاة شاب غرقا وانقاذ شابين اخرين    بن عروس: اندلاع حريق بمستودع    حجز 900 قرص مخدر نوع "ايريكا"..    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    فرنسا: الشرطة تقتل مسلحا حاول إضرام النار بكنيس يهودي    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التهريب ممول رئيسي للأسواق الموازية و الارهاب… بقلم حسونة جمعاوي
نشر في صحفيو صفاقس يوم 30 - 11 - 2014

يتمثل التهريب في إدخال أو بيع سلع أو خدمات عبر مناطق حدودية بصفة غير مشروعة. وأكدت عديد الدراسات أن أهم أسباب تنامي التهريب تتمثل في التهرب من دفع رسوم قمرقية على مرور البضائع والأشخاص أو اعتماد تشريعات تمنع مرور بعض المنتوجات عبر الحدود.
تقليديا يعتبر التهريب مصدرا رئيسيا لتمويل الأسواق الموازية. وتطوّر ليأخذ أشكالا عديدة تحمل جميعها صفة الجريمة المنظمة ضدّ الدولة لقّبه الاقتصاديون "بسرطان الاقتصاد". ومن بين هذه الأشكال ما يلي: 1) التهريب بصفته الممول الرئيسي لتزويد الأسواق الموازية، 2) التهريب بصفته وسيلة للتهرب من دفع الجبائية، 3) التهريب بصفته من الأسباب الأساسية لتنامي الفساد والرشوة، 4) التهريب بصفته وسيلة لتبييض الأموال، 5) التهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات ، 6) وأخيرا التهريب ومحترفي الهجرة السرية،
ومهما كان الشكل الذي تأخذه العمليات الارهابية فقد أثبتت الأبحاث القضائية في تونس، وخاصة منذ 14 جانفي 2011 أنه توجد علاقة وثيقة بين التهريب والعمليات المنتسبة للإرهاب.
1) التهريب ممول رئيسي للأسواق الموازية أو الاقتصاد الموازي:
تاريخيا، ظهر التهريب منذ بداية القرون الوسطى بفرنسا إثر اعتماد القصر الملكي رسوما على ترويج الملح أو ما يسمى "ضريبة الملح" التي تهدف إلى مراقبة حركة هذه المادة عبر الحدود الفرنسية من ناحية وتنمية موارد القصر الملكي من ناحية ثانية وظلّت معتمدة إلى سنة 1790 إثر اندلاع الثورة الفرنسية. ونشط خلال هذه الفترة البيع والشراء تحت الأرضي "Economie sous terraine" لمادة الملح بكامل أوروبا قصد التهرّب من دفع الرسوم الضريبية الملكية.
وتدعّم التهريب، في فرنسا وفي بلدان الجوار، مع سنّ ضريبة "الهندي" الموظفة على أنواع من النسيج الملون والمصنع في أوروبا والموجه خصيصا إلى بلدان غرب آسيا. وهي رسوم تم اعتمادها في بداية القرن السابع عشر.
كما شهد التهريب حجما اقتصاديا أوسع في نهاية القرن الثامن عشر إثر الترفيع في مختلف الرسوم المعتمدة في بريطانيا لتمويل الحروب المكلفة ضدّ فرنسا والولايات المتحدة وخاصة إثر الحصار الذي ضربه "نابليون" على بريطانيا، حيث تغذّى منها الاقتصاد "تحت الأرضي" بصفة كبيرة بين هذا البلد وبقية بلدان أوروبا الغربية.
وأدّى تنامي التهريب وارتفاع حجمه إلى اهتمام رجال الاقتصاد بهذه الظاهرة. حيث أجرى سنة 1998 ثلاثة خبراء اقتصاد أميركين (سيمون جونسون، دانيال كوفمان وبابلو زوادو)، دراسة نشرتها "المجلة الاقتصادية الأمريكية، ماي 1998″، أفضت إلى ثلاث حقائق عن التهريب:
– البلدان التي تعتمد "سلّة" من القوانين والإجراءات الترتيبية لضبط الشأن الاقتصادي أكثر من غيرها تميل إلى استحواذ حصة أكبر من الاقتصاد غير الرسمي في الناتج المحلي الإجمالي.
– ارتفاع العبء الجبائي على المؤسسات، يؤدي آليا إلى نشاط غير رسمي بأكثر سرعة وأكثر اتساعا وهو ما يسمى بالتهرب الجبائي الذي يساهم في نسبة الاقتصاد غير الرسمي ضمن الناتج الداخلي الخام.
– البلدان الأكثر فسادا والأكثر رشوة هي التي تعتمد نسيجا من الرسوم الديوانية و/أو الضوابط القانونية لتنظيم الاقتصاد مما يجعل الاقتصاد غير المنظم يستحوذ على نسبة أكبر من غيرها ضمن الناتج المحلي الإجمالي.
كما حدّد،"فيليب بارتيليمي" خلال العام نفسه، ثلاثة أسباب رئيسية لتنامي التهريب أو الاقتصاد غير الرسمي وذلك حسب البلدان. حيث بيّن ان مستوى العبء الضريبي من أهم الأسباب لتنامي الاقتصاد غير الرسمي والتهريب في الدول الغربية. بينما يمثل تعدّد القوانين والتراتيب المنظمة للمجال الاقتصادي ببلدان الكتلة الشرقية السابقة أهم الأسباب لتنامي هذه الظواهر. أما في البلدان النامية، فإن ضغوطات الحياة ومتطلباتها أو الرغبة في العيش الأفضل تعتبر من أهم العناصر.
وفي تونس، برز التهريب في البداية من خلال بعض العمليات الحدودية التي لم يكن حجمها له تأثير ملموس على الاقتصاد الوطني، ثمّ تطوّر تدريجيا ليبلغ أوجه بداية من سنة 1991 إثر الشروع في التحرير التدريجي للاقتصاد وخاصة بعد صدور القانون عدد 64 لسنة 1991 المتعلق بالمنافسة والأسعار والقانون عدد 44 لسنة 1991 المتعلق بتجارة التوزيع. حيث أصبح التهريب الممول الرئيسي للأسواق الموازية (ما يسمى بأسواق ليبيا). ثم اتسع هذا النشاط ليصبح "ظاهرة" ويشمل منتجات أخرى ذات الصلة بالملابس الجاهزة والأحذية والغذاء والأغطية ومنتجات الصحة والصيانة البشرية والأدوية الحيوانية والإطارات المطاطية والغلال (الموز والتفاح) والفواكه الجافة والشاي والسجائر وحديد البناء والمحروقات والمنتوجات المقلدة.
وبعد عشرون سنة تقريبا إثر 14 جانفي 2011، شهدت تونس أشكالا عديدة من التهريب تراوحت بين تهريب الأشخاص وتهريب السلع في الاتجاهين لتصل إلى تهريب الأسلحة والعملة والمخدرات وغسل الأموال جرّاء الصعوبات التي عرفتها أجهزة المراقبة في ظل تفاقم البطالة وبروز مجموعات متشدّدة. حيث كان تأثير هذا النشاط غير المشروع كبير جدا ليس على المالية العمومية فقط بل على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي.
ومن حيث الأرقام، وبالرغم من صعوبة تقدير قيمة المعاملات التجارية الموازية، فقد قدّر البنك الدولي، ضمن دراسة أجراها في الغرض، حجم رقم معاملات التهريب أو التجارة الموازية بين 9٪ و 10٪ من التجارة العالمية سنويا، أي ما يعادل 500 مليار أورو سنة 2012. وأكدت نفس الدراسة أن قيمة التجارة غير الشرعية عبر الحدود في تونس تبلغ 1.8 مليار دينار، وهو ما يمثل أكثر من نصف التجارة الرسمية مع ليبيا وأعلى من أي وقت مضى مع الجزائر. ووفقا للدراسة نفسها، فإن التجارة الموازية والتهريب تُكبّد ميزانية الدولة التونسية خسائر ب 1.2 مليار دينار سنويا وهو ما يوازي تقريبا حجم المبالغ المرصودة لدعم المواد الأساسية سنة 2012.
ووفقا لبيان رئاسة الحكومة السابقة بلغ عدد محاضر حجز البضائع المهربة 4079 محضر بحث سنة 2012 أي بزيادة بنسبة 330٪ مقارنة مع عام 2011 وبنسبة 9٪ مقارنة بعام 2010. وبلغت قيمة البضائع المحجوزة خلال نفس السنة ما يزيد عن 168 مليون دينار مقابل 51 مليون دينار في عام 2011.
وفي إطار التحكم في هذه الظاهرة، تركّزت مجهودات الدولة، منذ منتصف التسعينات، على تكثيف المراقبة وعلى تركيز فضاءات خاصة بالعديد من الولايات لتجميع متعاطي التجارة الموازية والحدّ من الانتصاب الفوضوي على غرار ما يسمى بأسواق ليبيا والسوق المغاربية ببنقردان.
ولكئن مكنت هذه الفضاءات من تحقيق البعض من أهدافها وساهمت في خلق العديد من موارد الرزق ومواطن الشغل، فإنها شرّعت وجود الاقتصاد الموازي في تونس وساهمت بصفة مباشرة وغير مباشرة في تنامي الانتصاب الفوضوي حول هذه الفضاءات أو بفضاءات جديدة تمّ الاستيلاء عليها، خاصة بعد 14 جانفي 2011. كما برزت خلال العشرية الأولى من هذا القرن "لوبيات كبيرة" لتوريد البضائع المهربة والمقلدة ساهمت بصفة كبيرة في تغذية التجارة الموازية عبر نفس الفضاءات واكتسحت في بعض الأحيان المسالك المنظمة.
ركزت الدولة منذ البداية على تكثيف المراقبة غير أنهالم تكن مجدية، لعدّة أسباب منها المتعلق بالكلفة الباهظة لأجهزة المراقبة على ميزانية الدولة إلى جانب ممارسات أفرادها غير القانونية جرّاء إغراءات متعاطي التجارة الموازية والتهريب بالإضافة إلى عجزها عن القيام بمهامها خاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ولئن كانت ضغوطات الحياة ومتطلباتها أو الرغبة في العيش الأفضل أو الثراء الفاحش تعتبر من أهم العناصر لممارسة التجارة الموازية والتهريب خلال العشرية الأولى من القرن الحالي، فقد أكدت جميع التقارير والأبحاث في المجال وخاصة منها الأبحاث القضائية منذ 14 جانفي 2011 أنه توجد علاقة وثيقة بين التهريب والإرهاب. حيث تمثل الموارد المتأتية من التهريب من أهم مصادر تمويل العمليات المنتسبة للإرهاب.
2) التهريب وتنامي الفساد والرشوة:
تتمثل الرشوة في تقديم هدايا أو أموال بغرض التأثير على الأشخاص، وبصفة عامة، هي استعلال أصحاب السلطة أو منفذيها لأغراض خاصة وإغراءهم بهدف التأثير عليهم لتحقيق فائدة أو مكاسب. وهي تعتبر نوعا من أنواع الفساد بصفتها تتمثل في الحصول على أموال بصفة غير شرعية وشكلا من أشكال التهريب بصفتها وسيلة يعتمدها المهربون لاجتياز الحدود بصفة غير قانونية لعبور بضائع ممنوعة أو خاضعة لرسوم ديوانية. وتعتبر أيضا تهريبا باعتبارها من أسباب تنامي الاقتصاد الموازي أو "تحت الأرضي".
تعدّدت الدراسات حول الرشوة والفساد، حيث أشار البنك الدولي إلى نوعين من الفساد: "الفساد الكبير وهو فساد على مستوى عال الذي يمارسه صناع القرار ومشرّعي القوانين الذين يستخدمون الموقف الرسمي ومركزهم من أجل تعزيز رفاههم. والفساد الصغير، وهو الفساد البيروقراطي على مستوى الإدارة" (موقع البنك الدولي/ الفساد).
وأكدت أغلب الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في المجال أن "القيود والتضييقات التي تفرضها الحكومات والأنظمة الاقتصادية على ترويج بعض المنتجات تساهم في إغراء الأطراف المتدخلة من إداريين وأصحاب أعمال وتساعد على تنامي الفساد والرشوة".
كما أكدت بعض الدراسات الأخرى أنه "كلما ارتفع الربح من عمليات التهريب أو عقد الصفقات المشبوهة كلما ارتفعت قيمة الرشوة وتزايدت عمليات الفساد من خلال إغراء موظفي القمارق والعاملين في شرطة الحدود أو الموظفين الآخرين الذين بإمكانهم مساعدة المهربين على تطوير أعمالهم".
ومن حيث الأرقام، ووفقا لآخر تقرير للبنك الدولي حول الفساد وتقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (ONUDC)، يقدّر حجم الرشوة ب 1000 مليار دولار سنويا في جميع أنحاء العالم منها ما بين 20 إلى 40 ألف مليار دولار تمّ دفعها لفائدة موظفين بالبلدان النامية وذلك دون اعتبار تحويل مبالغ كبيرة من الأموال من قبل السياسيين والتي من الصعب تحديد مصدرها. وأكدت المفوضية الأوروبية أن حجم الفساد المتعلق بالرشوة في أوروبا يحتل 1٪ من ميزانية الاتحاد الأوروبي ويكلّف الاقتصاد الأروبي ما يعادل 120 مليار أورو سنويا.
وفي تونس، تضمن تقرير منظمة الشفافية الدولية (Transparancy Internationaly) لسنة 2013 أن مؤشر الرشوة خلال هذه السنة بلغ 41 نقطة لتحتل بلادنا المرتبة 77 عالميا والثامنة عربيا بالنسبة للدول الأقل رشوة من جملة 177 دولة شملها البحث سنويا مقابل على التوالي المرتبة 59 عالميا والخامسة عربيا قبل سنة 2010.
وأكدت الأبحاث القضائية أن التهريب متسبب رئيسي في الرشوة والفساد المالي. كما أكدت وجود علاقة كبيرة بين هذه الظواهر والعمليات المرتبطة بالإرهاب وخاصة منذ سنة 2011.
3) التهريب والتهرب الجبائي:
ظهر التهريب، كما ذكرنا، إثر اعتماد القصر الملكي "ضريبة الملح" منذ بداية القرون الوسطى بفرنسا واعتماد ضريبة "الهندي" إثر اندلاع الثورة الفرنسي وكذلك إثر الترفيع في مختلف الرسوم الضريبية من طرف بريطانيا. وقد إفضت هذه الإجراءات، بصفة آلية، إلى التهرب من دفع الرسوم القمرقية من خلال تهريب البضائع الخاضعة لها.
وشهد التهرب الجبائي حجما اقتصاديا أوسع في نهاية القرن الثامن عشر تماشيا مع ارتفاع حجم التهريب وارتفاع العبء الجبائي على المؤسسات وتوسعهما في كل بلدان العالم.
وتعدّدت الدراسات في المجال، حيث أكدت أغلبها أن ارتفاع العبء الجبائي يؤدي آليا إلى تنامي النشاط غير الرسمي أو الاقتصاد الموازي بأكثر سرعة. ويتمثل الاقتصاد الموازي بالخصوص في تهريب السلع عبر الحدود و/أو عدم التصريح بالوجود لدى مصالح الجباية بهدف التهرب من دفع الآداءات الديوانية والرسوم الضريبية.
وتُعرّف مصالح الجباية التهرب الجبائي بأنه من "الوسائل القانونية أو غير القانونية للتهرب من دفع الضرائب". فهو، من جهة، يتمثل في استغلال النظام الجبائي للحدّ من مبالغ الضريبة الواجب دفعها لخزينة الدولة، ومن جهة ثانية، يمثل أهم أسباب تنامي الاقتصاد الموازي الذي يتسبب بدوره في حرمان ميزانية الدولة من مبالغ أكبر حجم بكبر حجم أرقام المعاملات الخفيّ.
يتمثل التهرب الجبائي من جانب استغلال النظام الجبائي في إعادة استثمار المرابيح أو الانتصاب بالمناطق الأكثر امتيازات أو الأقل نسب جبائية بهدف تخفيف العبء الجبائي على المؤسسة.
أما التهرب الجبائي غير المشروع فهو يتمثل في الانخراط ضمن النشاط الموازي مثل عدم التصريح بالوجود أو بجزء من رقم المعاملات "تحت الأرضي" وكذلك عدم دفع الرسوم القمرقية وغسل الأموال بهدف تمويل الإرهاب.
ومن حيث الأرقام، بلغ حجم المبالغ المرتبطة بالتهرب الجبائي مستويات كبيرة جدا بالرغم من عدم قدرة الحكومات والمؤسسات والمنظمات الدولية حصرها بصفة شاملة. حيث أكد صندوق النقد الدولي أن 50% من المبادلات العالمية تمرّ عبر ما يسمى "بالفردوس الضريبي" (le paradis fiscal) مقدّرا الحجم الجملي بحوالي 500 5 مليار أورو تمرّ عبر 000 4 بنك و2 مليون مؤسسة واجهة (Sociétés Ecrans) أي ثلاث مرات الناتج الداخلي الخام الفرنسي.
وقدرت "شبكة العدالة الضريبية" (Tax Justice Networ)، وهي منظمة غير حكومية أمريكية، حجم التجارة العالمية المرتبطة بالتهرب الجبائي بين 344 16 و000 25 مليار أورو أي ما يعادل الناتج الداخلي الخام للولايات المتحدة واليابان معا و10 مرات نظيرهما الفرنسي. وأكدت الشبكة المذكورة أن هذه الأرقام قادرة على تحقيق مداخيل جبائية ما بين 148 و218 مليار أورو سنويا لميزانيات مختلف دول العالم.
ويعتبر البرلمان الأوروبي أن حجم المال العام الذي استحوذ عليه محترفوا التهرب الجبائي يصل إلى 1.000 مليار يورو بدول الاتحاد، منها 240 مليار لألمانيا، 120 مليار لإيطاليا وبين 60 و 80 مليار أورو لفرنسا.
وفي إفريقيا، ووفقا لدراسة أجرتها منظمة النزاهة المالية العالمية (GFI:Global Financial Integrity) بدعم من البنك الدولي، فإن حجم الأموال غير المشروعة في إطار التهرب الجبائي داخل ال53 بلد إفريقي بلغت ما بين سنة 1970 و2008 ما يفوق 800،1 مليار دولار. ويمثل هذا المبلغ أكثر من سبعة أضعاف الديون الخارجية للقارة خلال نفس الفترة والتي بلغت 250 مليار دولار في نهاية عام 2008.
ووفقا لنفس الدراسة، فإن حجم الاقتصاد الموازي المنسوب للتهرب الجبائي في تونس بلغ 18 مليار دولار، أي ما يعادل 27 مليار دينارا تونسي، خلال الفترة المتراوحة بين 1970 و2008 منها 12.5 مليار دولار خلال السنتين الأخيرتين (2008 و2007). وهو ما يغطي كامل ديون البلاد بأكملها.
4) العلاقة بين التهريب بأنواعه وتمويل الارهاب:
أكدت نتائج الدراسات أنه كلما تمّ الاعتماد أكثر فأكثر على "سلّة" من القوانين والإجراءات الترتيبية لضبط الشأن الاقتصادي كلما ارتفع حجم التهريب ونشط معه الاقتصاد الموازي تحت الأرضي الذي يؤدّي إلى خسائر كبيرة في حجم الجباية وارتفاع حجم الأموال المدفوعة في شكل رشاوي لتصل إلى مبالغ خيالية.
وأكدت الأبحاث القضائية أنه توجد علاقة وطيدة بين التهريب وإغراء المواطن وموظفي القمارق والتهرب من دفع الجباية من جهة والعمليات العمليات المنتسبة للإرهاب من جهة ثانية. ويعمد محترفي الإرهاب إلى عمليات تهريب من نوع آخر أكثر خطورة مثل تهريب الأسلحة وتجارة المخدرات وغسل الأموال.
وفي هذا الإطار، أشارت العديد من الدراسات حول الجماعات الإرهابية إلى وجود ما يفوق 16 نوع من الممارسات التي تُصنّف من أخطر عمليات التهريب تلجأ إليها هذه الجماعات لتبييض الأموال وتمويل عملياتهم منها بالخصوص:
– استخدام مؤسسات واجهة (Sociétés Ecrans) لإنجاز عمليات تجارية ضخمة،
– القيام بعمليات شراء أو بيع عقارات بين أشخاص طبييعيين وبأسعار غير متطابقة مع الواقع،
– القيام بعمليات تجارية ومالية غير متطابقة مع نشاطها الأصلي ومتضاربة في بعض الحالات،
– تحويل أموال من بلد لآخر وإعادة توطينها في شكل قروض، ….
وفي إطار مكافحة التهريب والتحكم في ظاهرة التجارة الموازية ومكافحة الرشوة والفساد والحدّ من التهرب الجبائي وكذلك التصدّي للإرهاب، تعددت الاقتراحات أهمها تشديد المراقبة الصارمة على الشريط الحدودي والمراقبة على الطرقات والمراقبة الجبائية ومنع الانتصاب الفوضوي.
وبما أن التهريب والإرهاب ظاهرتان عالميتان مرتبطتان شديد الارتباط فإن مقاومتهما عبر تضافر مجهودات التكتلات الاقتصادية الإقليمية ومختلف بلدان العالم في الشمال والجنوب أصبح أمرا ضروريا أمام اتساع ظاهرة الإرهاب.
وتتمثل أهم ركائز التعاون، حسب رأيي، في وضع آليات مشتركة تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والمالي بصفة متوازية مع التعاون الأمني من خلال تحرير رأس المال بين هذه البلدان بهدف دعم الاستثمار وتحريك التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة ما يتعلق بالتشغيل والتعليم والصحة ومختلف أوجه الحياة.
والأكيد أن التعاون الاقليمي بين بلدان الشمال الإفريقي والبلدان المتاخمة لجنوب الصحراء وبلدان الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط أصبح ضرورة مؤكدة وعاجلة للحدّ من ظاهرة التهريب والاقتصاد الموازي بمختلف أشكاله وخاصة من خلال توحيد بعض السياسات الاقتصادية بين بلدان المغرب العربي مثل سياسة الأسعار للحدّ من فرص الربح السهل المرتبط بتهريب المنتوجات في ظل أسعار متقاربة وتخفيف أعباء دعم المواد الأساسية بهذه البلدان وتجنب الاستفادة منها من طرف بلد على حساب بلد آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.