العمر : 16 سنة معاناة وشقاء ومحنة. القامة : طويلة جدّا كطول سنوات الغصّة. العينان : يكحّلها فراق ومأساة ولوعة. الأعياد : فقدت طعمها منذ كنت طفلة. الذاكرة : طعنتها أعوام اليتم وسنوات النقمة. الطفولة : اغتيلت دون رحمة. الأحلام : صبر طويل وانتظار وخيبة. الحالة الاجتماعية : شهور جدباء وأعوام كطعم النكسة. الأدوات المدرسية : دفتر وقلم رصاص وكلمة. الأوراق الشخصية : سجون ومحاكم تفتيش ومعتقلات وتهمة. السجل المدرسي : تلميذة مجتهدة يسكنها حزن عميق وغربة. الدفتر العائلي : والد في السجن منذ كنت طفلة، وأخ يلوكه المنفى، وأخت تمضغهما الغربة، وأم تطعنها النكبة. مكان الولادة : ( 20 شارع الاستقلال) تونس الحرّة. الترقيم البريدي : ( تونس التغيير) / سنوات الحزن المعتّقة. البريد الإلكتروني : بيان السابع من نوفمبر 1987 نقطة، عهد جديد في طعم الغصّة- لا ظلم بعد اليوم كذبة، حذف للرأي والكلمة. الموقع : تونس التغيير خفظة – تونس العهد الجديد مطة – تونس التحوّل جرّة // مراكز استنطاق وسجونا تبتلع المعارضين بالجملة. اسم الأب : بن عبد الملك حمادي (1) المهنة : فلاّح السنّ : 63 سنة التهمة : الانتماء إلى جمعية غير مرخص فيها والتمرّد على النعمة. الحكم : السجن مدّة 46 سنة. تاريخ الاعتقال : 25 جانفي ( يناير) 1992. مكان الإقامة الدائم: سجن مسعدين سوسة ( تونس الخضراء). أيها الناس ..يا أيها الحقوقيون يا أيها المحامون، يا أيها المزارعون، يا أيها الإعلاميون يا أيها المفكرون، يا أيها الكتّاب والمثقفون، يا أيها المهاجرون يا أيها الجامعيون والموظفون، يا أيها السياسيون يا أيها الوزراء والرؤساء والملوك والحكام وكل الدبلوماسيين، يا هؤلاء وأولئك ويا كل هؤلاء، قد يكونوا أغلبكم أو جزء منكم، أو كثير منكم أو بعضا منكم أو جلكم، لهم أبناء وبنات يأتونهم بالحلوى واللعب والهدايا في الأعياد والمناسبات، قد تسافرون معهم ويسافرون معكم، قد تمرحون معهم في الحدائق والمنتزهات، قد تضمّونهم إلى صدوركم أكثر من ضمّة، قد تلعبون معهم ألعاب الصبية والصبيان، قد تضحكون من شقاوتهم من طريقة أكلهم، من تعثر أحاديثهم من حركاتهم المرتعشة، قد تصطحبونهم إلى المدارس والروضات، قد تحملونهم فوق أعناقكم متى أحسوّا بالتعب والإجهاد، قد ترافقوهم في هلع إلى الأطباء والمستشفيات، قد تحرصون أن يكبروا بين أحضان الدفء والحنان… يا كل هؤلاء الناس، حين يأتي الآباء أسأل أنا أين أبي؟ وحين يجتمع الآباء مع أبنائهم في كل تلك المناسبات، التفت من حولي لأبحث عن أبي كما كل أطفال العالم، فلا أرى حولي غير صورة معلقة على الجدران، لا أجد حولي غير عائلة تمزّقها الأحزان، التفت من حولي لأبحث عن والدي الذي يقبع منذ سنين طويلة خلف القضبان، فلا أرى غير مشاهد الألم تنهش عيون عائلتي التي لا يسمع فيها غير صرير الأحزان… يا كل هؤلاء الناس، حكايتي كما حكاية آلاف المعذبين في " تونس التغيير" تونس الكلام الكثير والفعل القصير… يا هؤلاء الناس، حكايتي ليست خيالا ولا شعرا ولا قصّة، حكايتي هي تلك الحقيقة المرّة.. اسمي رَحْمَة، كنت طفلة، كان عمري ثلاث سنوات، كنت بين أترابي كالنحلة، كنت إذا غبت قلن أين تلك القطة أين رَحْمَة، كنت أحبّ اللعب أحبّ اللهو لحظة بلحظة، كنت إذا نمت يأخذني والدي إلى فراشي بعد أن يضمّني إلى صدره أكثر من ضمّة، إسمي رَحْمَة كنت طفلة، كانت الحياة بالنسبة لي لهو ومرح وفرح ونكتة، إسمي رَحْمَة كنت طفلة، كنت بين عائلتي كالنجمة، كانت أمّي تشكوني لوالدي كل مرّة، فيضحك ويضمّني إلى صدره أكثر من ضمّة، وعلى جبيني يرسم أكثر من قبلة، إسمي رَحْمَة، كان إخوتي ينادونني أين تلك الشقيّة، أين رَحْمَة، كان أبي يشتري لي أكثر من لعبة، كنت أحتجّ أصرخ وأخاصم الجميع لمجرّد كلمة، كان أبي يستمتع بمشاكستي ويحاول إرضائي كل مرّة، إسمي رَحْمَة كنت طفلة، كان أبي يحبّ اللعب معي وكثيرا ما يناديني ماما رَحْمَة، كنت عند والدي كالزهرة، كنت وكانت وكنّا وجاءت الأيام المُرّة، ليكون العمر رحلة، تنقل أيّام عمري ألف نقلة، وكان تاريخ 25 جانفي ( يناير ) 1992 بداية المأساة وبداية القصّة، في هذا اليوم وعند الظلمة، هجم على بيتنا مخبرون وعساكر وأعوان شرطة، يومها كنت طفلة، لا أفقه معنى زوّار الليل ولا زيارات الظلمة، يومها كنت طفلة، ارتميت في عنق والدتي التي تخنقها الغصّة، كان المخبرون يبعثرون كل أثاث البيت وأبي صامت، يختلس النظر في عيوني التي يلطمها الصراخ والدموع والدهشة، فتشوا في كل الزوايا، في المداخل في الغرف وحتى تحت أقفال الأبواب الموصدة، فلم يعثروا على دبابة ولا مدفع ولا رشّاش ولا قنبلة، وضعوا القيود في معصم والدي واتجهوا به إلى مخافر الشرطة، ومنذ ذاك التاريخ انتظرت أن يعود أبي لألعب معه أكثر من لعبة، انتظرت أبي لأقبّله أكثر من مرّة، انتظرت أبي ليشتري لي الحلوى ويشتري لي أكثر من لعبة، انتظرت أبي ليروي لي قصص الأطفال ككل ليلة، انتظرت أبي ليعلمني رسم الكلمات ويلقنني أناشيد الثورة، انتظرت أبي ليحكي لي حكاية العصفور والقطة… انتظرت طويلا في مكاني ليعود لي والدي، فلا هو عاد ولا أنا ظللت تلك الطفلة، لقد ماتت في ذاكرتي تلك الطفلة، واغتيلت فوق شفتي كل بسمة، وتمططت في ذهني الأحزان واشتدّت بنا المحنة، وبقيت منذ تلك اللحظة، أترقب عودة أبي وأسال أمي في اليوم ألف مرّة، فكانت أمي تجيبني عبر التنهّد والدمعة، وكبرت بين الوجع والشوق والحنين وملوحة الأسئلة، حتى صار عمري 16 سنة، كنت أنام فيها وأصحو على حلم رؤية والدي ولو مرة، كنت كل يوم ألعن هذا العهد الجديد، ألعن التحوّل، ألعن التغيير، ألعن السابع من نوفمبر ألف مَرّة، ألعن الهتاف والخطب وأراجيف التلفزة، ألعن كل المتعاونين مع الاضطهاد وكل الصحف المرتزقة، ألعن السجون ومراكز التعذيب، والأمن والوشاة والمخبرون، وكل ما يرمز لهذه الدولة، ألعن المصفقين والوشاة وكل المتسبّبين في هذه المجزرة، ألعن الانقلاب والانتخاب وكل أنواع هذه المهزلة، ألعن السجّان والاقتراع والاستفتاء وكل تلك القوانين المجحفة… كبرت ولم أعد كما كنت تلك الطفلة، كبرت وعرفت أن أبي كان عاشقا للفجر عاشقا لحريّة الرأي والكلمة، كبرت ولم أعد تلك الطفلة، كبرت وعرفت أن أبي في السجن محكوم عليه ب46 سنة، كبرت وعرفت معنى الظلم وكل أنواع الخطب والشعارات المزوّرة، كبرت وعرفت واقع السجون والمحاكم وكل أنواع المعتقلات المدمّرة، كبرت وعرفت معنى الحرمان ومعنى الطفولة المهدّمة… أيها الناس مُرّة في حلقي كل التعابير وحزينة كل المفردات، مذبوحة في صدري كل هذه الأعوام وكل هذه المناسبات، التي تجرّعت فيها وعائلتي كل أنواع القهر والتعب والمأساة، فمنذ أن قُبضِ على والدي وزجّ به وراء القضبان والحزن يتسكّع فينا، ونعيش كل أنواع الحرمان، ويفترسني السؤال ويصفعني السؤال تلو السؤال، ما ذنب والدي؟ وما ذنبنا نحن؟ ما ذنب أخي « وليد » الذي منذ 1991 تلوكه أعوام المنفى، ما ذنب أختي «رملة » التي هي الأخرى تجلدها سنوات الغربة… فأيّ بلد هذا الذي يعدم الكلمة ويشنق الحريات، أي ّعهد هذا الذي يخنق الفرح، ويشتّت العائلات، أيّ تغيير وأيّ سلطة هذه التي تقصف الطفولة وتزرع المعتقلات… يا أيّها الرعاة، يا رعاة بلدي يا أيّها الذين تنامون في بيوت وثيرة بين دفء أبنائكم، يا هؤلاء الذين تمضغون كل أنواع الخطب والوعود البيضاء، والدي أنا تمضغه السياط وتدمّره السجون والمعتقلات، يا رعاة بلدي يا أيها المستحمّون بعرق ودموع الجياع والفقراء، يا هؤلاء المحتفلون بكثير من المناسبات والأعياد، هذا والدي يتكوّم في سجون الظلام وراء السلاسل والأبواب، هذا والدي يقترب عمره نحو الفناء والرحيل، وهذي والدتي أعياها الجلوس والانتظار، أرهقها التسوّل أمام السجون لرؤية والدي لبضع دقائق من وراء القضبان، وهذي عائلتي عاشت وتعيش كل أنواع الفراق والحصار…يا رعاة بلدي يا أيها المسافرون في عمق جراحاتنا، يا رعاة بلدي هذا أنتم، كما أنتم، وهذا عمر بن الخطاب يقول: لو تعثرت دابّة في أرض العراق، لكنت مسئولا عنها أمام الله لأني لم أمهّد لها المطيّة. فأين أنتم من هذا العدل والإنصاف ؟ يا رعاة بلدي يا أيها العابرون على أجسادنا هذا أنا كما أنا بكل همومي وجراحاتي، وهذا أنتم كما أنتم لو دامت لغيركم لما آلت إليكم، يا رعاة بلدي يا أيّها الجاثمون كالحقد فوق صدورنا هذا أنا رحمة أرفع صوتي عاليا إلى السماء لأقول: الله أكبر منك يا عهد الهوان.. كان لي فيما مضى والد يدثرني بالعطف والحنان.. الله أكبر منك يا عهد السجن والسجّان.. كانت لي فيما مضى طفولة وكثيرا من اللعب والأحلام.. الله أكبر منك يا عهد التعذيب والاعتقال.. كانت لي فيما مضى عائلة سعيدة قبل أن تفترسها الأحزان الله أكبر منك يا عهد الهوان.. كان أبي وكان أخي وليد وكانت أختي رملة قبل أن يفرقنا عهد الاضطهاد.. الله أكبر منك يا عهد الهوان.. يا عهدا لا يتردد في طعن الكرامة وقتل الأحرار، كما قتل أخيرا « لطفي العيدودي (2) » وقبله عشرات الشبان الله أكبر منك يا عهد الهوان.. يا عهدا سيكتب عنه التاريخ يوما، أنه كان عهد نهب الطفولة وتدمير الإنسان… ....................................................... ◄(1) « بن عبد الملك حمادي » سجين إسلامي (فلاح) أصيل ولاية « سليانة » تونس، يبلغ الآن من العمر 63 سنة ألقي عليه القبض في 25 – 1 – 1992، وقد وقع تعذيبه في محلات وزارة الداخلية بصورة بشعة جدا، مما ترك له آثارا وعاهات جسمية يعاني منها لحد الآن، محاكم ب 46 سنة سجن من أجل الانتماء لجمعية غير مرخص فيها وإعداد محل للاجتماعات وحيازة مناشير، وهو أب لخمسة أبناء هم : رحمة 16 سنة – رملة 25 سنة اضطرت للعيش في الغربة نتيجة الأوضاع وهي تدرس بفرنسا – صبري 28 سنة – حمدي 29 – وليد 32 سنة الذي جاء للدراسة بفرنسا سنة 1991 ولما قبض على والده سنة 1992 نصح بعدم الرجوع كي لا يقبض عليه، رغم أنه لا علاقة له بالانتماء لأي حزب سياسي، وظل في المنفى الاضطراري منذ 1991 وقد انتهت مدة إقامته كطالب، فاضطر إلى العيش 8 سنوات بدون بطاقة إقامة، وما يترتب عن هذه الوضعية غير القانونية من متاعب ومعاناة، ورغم ذلك تحدى هذه العوائق وتحصل على دكتوراه في القانون… ◄السجين « بن عبد الملك حمادي » يشكو من عدة أمراض نتيجة السجن الذي لا زال يقبع فيه، أخطرها ضغط الدم المرتفع ومما زاد وضعيته الصحية تعقيدا أنه تحت المطالبة والإلحاح أعطي دواء غير صالح.. قام بإضراب جوع أخيرا في 10 – 12 – 2004 لأكثر من عشر أيام احتجاجا على وضعيته لم يفض إلى شيء، وقعت مساندته في إضراب الجوع بصورة كبيرة من العديد من الشخصيات الحقوقية والإعلامية والحزبية، والعديد من الجمعيات الحقوقية ( انظر قائمة الموقعين المصاحبة ). ◄ (2) « لطفي العيدودي » طالب مرحلة ثالثة حقوق بكلية الحقوق بسوسة، من مواليد شهر أفريل ( نيسان) 1966 بمدينة " حفوز "، عضو بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للطلبة، محاكم ب 17 سنة سجن ،عذب حتى أصيب بمرض في الدماغ، مما استوجب إجراء عملية جراحية فرفضت إدارة السجن تمكينه من ذلك، وأخيرا وبعد فوات الأوان أجريت له العملية، فأصيب بشلل نصفي توفي بعدها ( انظر بيان الرابطة التونسية لحقوق الإنسان فرع بنزرت الصادر بتاريخ 14 جانفي( يناير) 2005) ◄ انظر كذلك مقال – لطفي العيدودي شهيد آخر على درب الحرية – الصادر بجريدة الموقف التونسية بتاريخ 21 جانفي ( يناير) 2005 . ▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪ نُشِرَ في: ◙ الشبكة النسائية العالمية / 27 – 1 – 2005 ◙ اللجنة العربية لحقوق الإنسان← / 28 – 1 – 2005 ◙ تونس نيوز ← / 27 – 1 – 2005 ◙ مجلة العصر ← / 29 – 1 -2005 ◙ موقع تيسير علوني ← / 3 – 2 – 2005 ◙ الحوار نت ← / 4 – 2 – 2005 ◙ مجلة كلمة ← / 13 – 2 – 2005 ◙ نواة ←/ 2 – 2 – 2005 ◙ TUNeZINE ← / 29 – 1 – 2005