مجاز الباب: الإحتفاظ بمفتش عنه من أجل "سرقة مواشي والاعتداء بالعنف الشديد ومحاولة القتل"    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    سيدي بوزيد: إحداث أول مخبر بحث عملي بكلية العلوم والتقنيات    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    بطولة القسم الوطني "ا" للكرة الطائرة (مرحلة التتويج-الجولة 4): البرنامج    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن..    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    مستقبل سليمان اتحاد بنقردان (0 1) خبرة الضيوف كانت حاسمة    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    سهرة تنتهي بجريمة قتل شنيعة في المنزه التاسع..    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 58 قتيلا و67 مفقودا    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرقي البيرو    طقس اليوم الأحد...أجواء ربيعية    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    تونس تشارك في المعرض الدولي 55 بالجزائر (FIA)    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    تونس العاصمة : الإحتفاظ بعنصر إجرامي وحجز آلات إلكترونية محل سرقة    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    تمّ التحوّز عليه منذ حوالي 8 سنوات: إخلاء مقر المركب الشبابي بالمرسى    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    عاجل/ القبض على شاب شوّه وجه عضو مجلس محلي بهذه الحهة    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    التوقعات الجوية لليوم    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس زين العابدين بن علي
نشر في وات يوم 12 - 09 - 2010

فجر السابع من نوفمبر 1987 تلقى التونسيون بشرى تولي السيّد زين العابدين بن علي مهام رئيس الجمهورية. وقد افتتح، في بيان رسمي بثته الإذاعة الوطنية، عهدا جديدا لتونس. ودعا التونسيين إلى إقامة مجتمع عادل، متوازن، ديمقراطي وسائر على طريق الحداثة والتقدّم.
وبكل ارتياح استقبلت البلاد بأسرها التغيير الذي حصل حيث بشّر الرئيس الجديد بمشروع مجتمعي متكامل معلنا بداية مرحلة جديدة قوامها العمل والكد من أجل بناء مستقبل مشرق لتونس.
ولد زين العابدين بن علي يوم 3 سبتمبر 1936 بحمام سوسة في عائلة متواضعة ربته على احترام التقاليد ولقنته معاني الكرامة وحب الوطن واحترام الآخرين. وورث عنها ميله إلى البساطة والمثابرة والدقة وكذلك قيم الاعتدال والتسامح.
وحين كان تلميذا بمعهد سوسة، دعاه نداء الواجب تجاه الوطن وأثاره جور الاستعمار فانخرط بن علي بلا تردد في النضال ضمن الحركة الوطنية آخذا على عاتقه مهمة التنسيق بين الهياكل الجهوية للحزب الدستوري الجديد والمقاومة المسلحة، الأمر الذي أدى إلى سجنه ثم طرده من كل المؤسسات التعليمية بتونس. إلا أن ذلك لم يثنه عن مواصلة دراسته التي سرعان ما استأنفها بهمة وإصرار لينتقل من المعهد إلى الدراسة العليا.
وتقديرا لمؤهلاته وقدرته العالية على العمل واعتبارا لذلك، قرّر الحزب إرساله إلى فرنسا فأصبح عنصرا من النواة الأولى لما سيكون في ما بعد "الجيش الوطني". تحصّل بدءا على شهادة المدرسة المختصة للجيوش ب"سان سير"، ثم أحرز شهائد من مؤسسات أخرى لا تقل أهميّة هي : مدرسة المدفعية ب"شالون سور مارن" بفرنسا والمدرسة العليا للاستعلامات والأمن ومدرسة المدفعية المضادة للطيران بالولايات المتحدة الأمريكية. كما تحصّل على شهادة مهندس في الإلكترونيك.
كان لاهتمامي بالإعلامية - كما يقول بن علي لاحقا - تأثير إيجابي على طريقتي في العمل، فقد منحني ذلك ميلا واضحا للمنطق والدقّة والتحليل، ونظرة مستقبلية منظمة بعيدا عن الارتجال".
على هذا النحو اتسمت المرحلة الثانية من حياته العملية بارتقاء منتظم في سلم المسؤوليات، بفضل التزامه بالواجب وقدرته على الإنصات ودقته في التحليل. ففي كل قرار يتخذه، كان يحرص على دراسة المعطيات وتحليل الوضعيات ومقارنة النتائج. وقد لخص بن علي لإحدى الصحف روح تمشيه هذا في قاعدة جلية المعاني : " أنا أصغي وأفكر وأعمل ".
وكان بن علي ما يزال ضابطا شابّا في أركان الجيش حين أسس إدارة الأمن العسكري سنة 1964 حيث أشرف على تسييرها لمدة عشر سنوات. وحين عُيّن ملحقا عسكريا بالمغرب وإسبانيا التحق بالرباط سنة 1974. ثم عين بديوان وزير الدفاع قبل أن يضطلع بمهام مدير عام للأمن الوطني في ديسمبر 1977.
وفي أفريل 1980 عيّن سفيرا بفرصوفيا. وفي نهاية مهامه ببولونيا دعي مجددا في جانفي 1984 ليتولى خطة مدير عام للأمن الوطني، وليتولى في مرحلة ثانية مهام كاتب دولة للأمن الوطني في 29 أكتوبر 1984 ثم وزيرا للأمن الوطني في 23 أكتوبر 1985. وفي 28 أفريل 1986 أصبح وزيرا للداخلية. وفي جوان من نفس العام أصبح عضوا في الديوان السياسي للحزب الاشتراكي الدستوري ثم أمينا عاما مساعدا للحزب، بعد أن ارتقى إلى رتبة وزير دولة مكلف بالداخلية وذلك في ماي 1987. وفي 2 أكتوبر من نفس السنة عُيّن، وهو في الواحدة والخمسين من عمره، وزيرا أوّل مع الاحتفاظ بحقيبة الداخلية. كما أصبح أمينا عاما للحزب الاشتراكي الدستوري.
وفي الوقت الذي كانت تحاك فيه الدسائس حول الرئيس الحبيب بورقيبة الذي أقعدته الشيخوخة وأنهكه المرض، كان بن علي ينأى بنفسه عن النزاع المصلحي ولعبة التحالفات. بل على العكس من ذلك، كان يعمل على تنقية المناخ السياسي وتكريس التفتح على الجمعيات مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومدّ جسور التواصل مع أحزاب المعارضة، الأمر الذي جعله يحظى بمساندة الطبقة السياسية وتقديرها حيث رأت فيه، منذ ذلك الحين، رجل الحوار والتفتح.
حين أصبح وزيرا أول، تحمّل بن علي باقتدار مسؤولية إصلاح أوضاع البلاد وهي في أوج أزمتها. فتصدى بحزم للدسائس وضاعف من جهوده لإشاعة الطمأنينة ساعيا إلى إعادة الثقة في النفوس متبنيا حلولا منطقية وواقعية ومرجحا في كل مرة كفّّة المصالح العليا لتونس، في الوقت الذي كان فيه الرئيس بورقيبة يغيب تدريجيا حتى أضحى منقطعا تماما عن واقع البلاد.
وبالاستناد إلى تقرير طبي محرّر من قبل سبعة أطباء مباشرين للرئيس بورقيبة يقرّ عجزه التام عن الاضطلاع بمهامه، وعملا بالفصل 57 من الدستور، تولى الوزير الأول زين العابدين بن علي يوم 7 نوفمبر 1987 رئاسة الدولة، وتم انتقال السلطة في كنف الهدوء التام واحترام الشرعية الدستورية. وقد رأى الملاحظون في ذلك مثالا للسلوك الحضاري. وهو تقدير دعمه الموقف حيال الرئيس السابق وما أحيط به من رعاية.
ومنذ توليه السلطة حرص الرئيس بن علي على الإيفاء بالالتزامات والوعود التي تضمنها بيان السابع من نوفمبر وهي :
* دولة القانون والمؤسسات,
* سيادة الشعب,
* المصالحة الوطنية,
* احترام الحريات الأساسية,
* الديمقراطية,
* التعددية,
* العدالة الاجتماعية,
* التضامن,
* البذل والعطاء,
* التفتح والتحديث.
وهو برنامج انخرطت فيه الأغلبية الساحقة من التونسيين لأنه يستجيب لتطلعاتها.
وقد بادر الرئيس بن علي بإعادة الروح النضالية والمصداقية إلى الحزب الاشتراكي الدستوري، الذي فقد قدرته على التجديد والتعبئة واستقطاب المناضلين والكفاءات وانغلق على نفسه. فجدد هياكله وأطلق عليه اسم " التجمع الدستوري الديمقراطي " وطوّر طرق عمله ودفعه إلى تبنّي خطاب سياسي جديد. فانفتح الحزب على الشباب وكل الكفاءات. وتجددت إطاراته وأعيدت الكلمة والمبادرة إلى قاعدته بما عزز مصداقيته وحضوره في الواقع السياسي ووسّع من إشعاعه.
على المستوى السياسي، ساد مناخ من الوفاق والإجماع الوطني. وتعددت الإجراءات من أجل ترسيخ الديمقراطية الحق وإقامة دولة القانون.
وكرس الميثاق الوطني الذي أمضته في 7 نوفمبر 1988 كل الأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية ومكونات المجتمع المدني الوفاق الوطني الذي كان هدف الرئيس زين العابدين بن علي الأسمى. كما صدر قانون عفو تشريعي يجسد المصالحة الوطنية.
وتم تعديل الدستور لإلغاء الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية. وأعيدت هيكلة المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتوسعت صلاحياته وأصبح ممثلا لمختلف التيارات الاجتماعية والسياسية بهدف تحقيق إجماع وطني حول الخيارات التنموية الكبرى.
منذ التغيير، أحدث مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين نصا وروحا. وصارت آراء المجلس الدستوري، بموجب القانون الدستوري عدد 76 لسنة 1988 والمؤرخ في 2 نوفمبر 1989 ملزمة لجميع السلط العمومية.
وتمّ اتخاذ عديد المبادرات والإجراءات لتطوير المشهد الإعلامي وأدخلت تعديلات على مجلة الصحافة في أربع مناسبات (1988-1993-2001-2006) لإضفاء طابع الحداثة والتحرّر على فصولها وتمكين الصحافيين من ظروف عمل ملائمة. واتخذت إجراءات لتشجيع الصحافيين وصحافة الرأي. كما أعلن الرئيس بن علي في 7 نوفمبر 2003 عن فتح الفضاء السمعي البصري أمام المبادرات الخاصة.
ودعما لحريّة الصحافة، وتكريسا للحقّ في الاختلاف والحقّ في الاتصال، صدر في 9 جانفي 2006 قانون يلغي الإيداع القانوني بالنسبة إلى الصحف اليومية والدوريّة وكذلك بالنسبة إلى المجلات الصحفية الدورية، كما أعلن الرئيس بن علي في 7 نوفمبر 2007 قراره بإلغاء الرقابة الإدارية على الكتب والمنشورات والأعمال الفنية.
وسعيا إلى مزيد تطوير المشهد الإعلامي وإثرائه بما يخدم الخيارات الوطنية ويرتقي به إلى أفضل المراتب تم الإعلان عن التركيبة الجديدة للمجلس الأعلى للاتصال ليضم إلى جانب الكفاءات المعروفة في هذا المجال شخصيات تمثل الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني.
وفي أفريل 2008 قرّر الرئيس بن علي مزيد توسيع صلاحيات هذا المجلس بما يدعم دوره ووظيفته في الارتقاء بالمشهد الإعلامي والاتصالي في تونس وترجمة ما يتميز به من تعددية وتنوع.
في سنة 1988 صدر قانون للأحزاب حدد شروط إحداث التنظيمات السياسية وأعطى دفعا جديدا للتعددية. وشهدت تونس لأول مرة في تاريخها، خلال انتخابات 2 أفريل 1989 السابقة لأوانها، إجراء انتخابات في كنف الشفافية والتقيد بالقانون.
وقد تم انتخاب زين العابدين بن علي، مرشح كل التونسيين بمختلف توجهاتهم وحساسياتهم السياسية، رئيسا للجمهورية بأغلبية ساحقة. وتجدد نفس الإجماع حول الرئيس بن علي في انتخابات 20 مارس 1994 ثم في 24 أكتوبر 1999 و24 أكتوبر 2004.
وبفضل التعديلات التي أدخلت على المجلة الانتخابية أمكن للمعارضة، لأول مرة منذ استقلال تونس سنة 1956، دخول البرلمان خلال انتخابات 1994.
وعلى ضوء التنقيحات التي أدخلت على المجلة الانتخابية سنة 1989، تمكنت المعارضة من الحصول في الانتخابات التشريعية ليوم 24 أكتوبر 9991 على 33 مقعدا من مجموع 182 مقعدا وعلى 37 مقعدا من مجموع 189 مقعدا في الانتخابات التشريعية ليوم 24 أكتوبر 2004 فازت بها 5 أحزاب معارضة. وحصلت المعارضة على 268 مقعدا في الانتخابات البلدية لسنة 2005. كما أتاحت تعديلات أخرى مثل تخفيض السن الأدنى للترشح للبرلمان إلى 23 عاما وفتح باب الترشح أمام الشباب التونسي، سواء كان من أب تونسي أو من أم تونسية، آفاقا أوسع للمشاركة السياسية أمام فئات هامة من المجتمع.
وتأكيدا للمنزلة الرفيعة التي يحظى بها الشباب في تونس العهد الجديد، تمّت سنة 2008 المصادقة على تنقيح دستوري يخفّض من السنّ الدنيا للتصويت من 20 سنة إلى 18 سنة تمكينا لشريحة واسعة من الشباب من ممارسة حقها في التصويت.
وقد تمّ تعديل الدستور من أجل ضمان تعدد الترشحات الرئاسية، وهو ما تجسّد لأول مرة في تاريخ البلاد في الانتخابات الرئاسية ليوم 24 أكتوبر 1991.
وتعزيزا لمقومات النظام الجمهوري ومجتمع الحرية، وتدعيما للديمقراطية، تقدم الرئيس زين العابدين بن علي في 13 فيفري 2002 بمشروع إصلاح دستوري جوهري يعتبر الأشمل والأكثر عمقا في تاريخ الجمهورية التونسية بهدف تحقيق نقلة نوعية للنظام السياسي تأسيسا لجمهورية الغد التي كان قد أعلن عن خطوطها الكبرى في خطابه بمناسبة الذكرى 14 للتحول في 7 نوفمبر 2001.
ونزل هذا الإصلاح التعددية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية منزلة خاصة في نص الدستور، وأثرى الوظيفة التشريعية بإحداث غرفة برلمانية ثانية (مجلس المستشارين). وعزّز دور المجلس الدستوري ودعّم استقلاليته إضافة إلى مزيد تفعيل علاقة الحكومة بالبرلمان وتطوير نظام الانتخابات الرئاسية.
وانطلاقا من قناعته الراسخة بأن إرادة الشعب فوق كل إرادة عرض الرئيس زين العابدين بن علي يوم 26 ماي 2002 مشروع الإصلاح على الاستفتاء الشعبي حتى يكون هذا الإصلاح تكريسا لخيار الشعب وطموحاته.
وقد شارك التونسيون بكثافة في هذا الاستفتاء الأول من نوعه في تاريخ الجمهورية التونسية وعبّروا عن مساندتهم المطلقة لمضامين الإصلاح الدستوري.
وفي 3 سبتمبر 2004 تقدم الرئيس زين العابدين بن علي إلى الانتخابات الرئاسية ليوم 24 أكتوبر 2004 ببرنامج طموح "بن علي لتونس الغد" أعلن عنه في افتتاحه للحملة الانتخابية يوم 10 أكتوبر 2004 وتضمن 21 نقطة شملت مختلف القطاعات والفئات الاجتماعية وجاءت لتعزز الرصيد الثري من المكاسب والإنجازات التي حققتها تونس في عهد التغيير.
وبفضل ما تميّز به من قناعات ديمقراطية وروح تحررية، جعل الرئيس بن علي من حقوق الإنسان محورا ثابتا في سياسته وذلك وفق تصوّر شامل يربط بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبين الحقوق المدنية والسياسية.
وبعد أسبوعين من التغيير، تم إقرار مشروع قانون يحدد الاحتفاظ والإيقاف التحفظي لأول مرة، وإلغاء محكمة أمن الدولة وخطة الوكيل العام للجمهورية. كما ألغت تونس عقوبة الأشغال الشاقة، وصادقت بدون تحفظ على اتفاقية 1984 التي أقرتها الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وفي سنة 1999 صدر قانون جديد يقلص مدة الإيقاف التحفظي.
كما أقرّ مبدأ التقاضي على درجتين في القضايا الجنائية وإحداث خطة قاضي تنفيذ العقوبات وتمّت إحالة المؤسسات العقابية وإدارتها إلى وزارة العدل. وقد صدر بتاريخ 4 مارس 2008 قانون يتعلق بوجوب تعليل قرار التمديد في الاحتفاظ والإيقاف التحفظي، وذلك في إطار الحرص على مزيد توفير الضمانات القضائية للأفراد في مرحلة ما قبل المحاكمة.
وتعزيزا لآليات حقوق الإنسان والحريات الأساسية صدر بتاريخ 16 جوان 2008 قانون يتعلق بالهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية (التي أُحدثت في 7 جانفي 1991) يقرّ بالخصوص استقلالية الهيئة وتوسيع مهامها وتمكينها من التعهد التلقائي بأي مسألة تتعلق بدعم حقوق الإنسان والحريات الأساسية إلى جانب تطوير أساليب عملها.
وفي سبيل ترسيخ قيمة العمل في المجتمع، حرص الرئيس بن علي على تنقية المناخ الاجتماعي عبر إعادة الاعتبار للاتحاد العام التونسي للشغل وتركيز حوار منتظم بين الأطراف الاجتماعيين وجعل قيم العمل والمثابرة مبادئ أساسية في الحياة العامة.
ومكنت الإصلاحات الاقتصادية التي أنجزتها تونس من تحقيق وتيرة نمو اقتصادي في حدود 5 بالمائة منذ تغيير السابع من نوفمبر 1987، والتحكم في التضخم. وسمح نجاح مجهود التنمية بتحقيق متوسط دخل فردي بلغ 4.400 دينار سنة 2007 أي أنه تضاعف قرابة الخمس مرات منذ التحوّل. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 7.160 مليون دينار سنة 1986 إلى 44.254 مليون دينار سنة 2007.
وحقق تفتح الاقتصاد التونسي نجاحا مهما كما يتجلى ذلك من خلال تطور نسبة الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي من 34,7 بالمائة سنة 1987 إلى 50,7 بالمائة سنة 2007 وارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي من 100 مليون دينار سنة 1986 إلى 2.132 مليون دينار سنة 2007.
وبالتوازي مع هذا المجهود وقع الحرص على الحفاظ على التوازنات العامة كما يبرز ذلك من خلال التحكم في عجز الميزانية وميزان المدفوعات والمديونية وتراجع خدمة الدين إلى 15,4 بالمائة سنة 2007 مقابل 26,3 بالمائة سنة 1986.
وباشرت تونس تنفيذ برنامج وطني لتحديث النسيج الصناعي وتأهيله في إطار اتفاق شراكة وتبادل حرّ وقعته مع الاتحاد الأوروبي عام 1995. وبموجب هذا الاتفاق تمّ منذ أول جانفي 2008 إرساء منطقة للتبادل الحر بين تونس والاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى المنتجات الصناعية.
وما انفكت البنية الأساسية الحديثة والتشريع الملائم، إضافة إلى مناخ الاستقرار الاجتماعي والسياسي والنماء الاقتصادي، تساهم في استقطاب المستثمرين.
وحظي النجاح الاقتصادي للنموذج التونسي بتقدير من كل أنحاء العالم، بل إن بعض الملاحظين وصفوه ب " المعجزة التونسية " .
وتعتبر سنة 2008 بالنسبة إلى تونس محطة متميّزة في مجال استقطاب الاستثمار الخارجي باعتبار أهمية المشاريع الكبرى التي تم الشروع في إنجازها أو في الإعداد لها والتي تناهز قيمتها 30 مليار دولار. وتمثّل هذه المشاريع قفزة نوعية على درب جعل تونس قطبا إقليميا للتجارة والخدمات.
وتجلت هذه النقلة النوعية في النشاط الاقتصادي والاستثماري، من خلال حصول تونس على المرتبة الأولى في المغرب العربي والمرتبة الثالثة في العالم العربي وإفريقيا والثانية والثلاثين عالميا في مجال القدرة التنافسية حسب تقرير 2007-2008 للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس حول القدرة التنافسية الجملية.
وتبقى المقاربة الإنسانية لمعالجة الواقع الاجتماعي إحدى أهم خصائص شخصية الرئيس بن علي وطريقته في ممارسة الحكم.
وبن علي، الذي هو ابن الشعب، ما انفك يصغي باستمرار إلى مشاغل كل فئات المجتمع وشرائحه، ليتجاوب مع اهتماماتها وطموحاتها. فالإنجازات التي تحققت في عهده ترتكز أساسا على قيم التكافل والتضامن والتآزر وتساوي الحظوظ ورفض الإقصاء والنهوض بمناطق الظل. وكان من نتائج هذا التمشي أن انخفضت نسبة الفقر إلى 3,8 بالمائة، وأصبحت الشريحة الوسطى تمثل قرابة 80 بالمائة من مجموع السكان.
وإنصاتا لنبض شعبه، يعمل الرئيس بن علي على تجسيد مفهوم التضامن الوطني الذي يمثل ركيزة سياسته الاجتماعية. ويتخذ بن علي دائما بعد زياراته الفجئية لمختلف الجهات أو المؤسسات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التربوية إجراءات للمتابعة والتقييم، ويعقد أحيانا، وفي نفس يوم الزيارة، مجلسا وزاريا يشرف عليه بنفسه لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وفي هذا الإطار أحدث بن علي صندوق التضامن الوطني المعروف ب 26 26 على إثر زيارة فجئية إلى إحدى التجمعات السكنية النائية في ديسمبر 1992. وهو قرار ريادي كان له صدى واسع لدى التونسيين الذين استجابوا لنداء رئيسهم وتبرعوا بتلقائية لفائدة الصندوق بهدف فك عزلة متساكني مناطق الظل وتحسين ظروف عيشهم وتمكينهم من أسباب العيش الكريم.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد أحدث الرئيس بن علي البنك التونسي للتضامن عام 1997 لتمويل آلاف المشاريع الصغرى سنويا، ولإحداث مواطن الشغل للشباب وحاملي الشهادات العليا.
كما تجسّدت الأولوية الممنوحة للتشغيل في إحداث نظام القروض الصغرى قصد تشجيع روح المبادرة لدى الشباب، وكذلك في إحداث صندوق وطني للتشغيل (صندوق 21 - 21 ).
وبادر الرئيس بن علي بإصلاح نظام التعليم الذي أصبح إجباريا حتى سن 16 سنة، وهو ما مكن تونس من تحقيق نسبة تمدرس فاقت 99 بالمائة، وأتاح غرس قيم الانفتاح والتسامح والابتكار لدى الناشئة ومزيد دعم قيم المساواة بين الرجل والمرأة.
واتخذ الرئيس بن علي عديد الإجراءات الرائدة لتكريس هذه المساواة من خلال تطوير مجلة الأحوال الشخصية، الأولى من نوعها في العالم العربي والأكثر تطورا بخصوص التشريعات المتعلقة بالمرأة، مما قضى على كل مظاهر التمييز بين الجنسين وارتقى بالمرأة إلى منزلة الشراكة مع الرجل.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، أقام الرئيس بن علي دعائم ديبلوماسية نشيطة، من أجل تحقيق دفع المسيرة المغاربية وخدمة القضايا العربية والإفريقية وإقامة فضاء للتنمية المشتركة الأورومتوسطية. ويساهم بن علي بفعالية في البحث عن سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط وفي خدمة السلم والأمن الدوليين بوجه عام.
وتجسيما للنظرة الاستشرافية والوقائية التي تميّز مقاربته السياسية، كان الرئيس بن علي سبّاقا منذ تسعينات القرن الماضي إلى التنبيه والتحذير من مخاطر ظاهرة الإرهاب. وقد دعا سنة 1998 إلى عقد مؤتمر دولي حول الإرهاب تحت إشراف الأمم المتحدة يتولى وضع مُدوّنة سلوك تلتزم بها جميع الدول وتؤسس لحوار مسؤول يتجاوز ازدواجية المعايير وتحدد القواسم المشتركة لمقاومة هذه الظاهرة التي باتت تشكل تهديدا للإنسانية جمعاء.
وبالنظر إلى الموقع المتقدّم الذي تتبوأه تونس في الفضاء الأوروبي-المتوسطي، عمل الرئيس زين العابدين بن علي على إعطاء دفع جديد للحوار خمسة زائد خمسة، وعمل خلال رئاسته لقمة هذه المجموعة التي احتضنتها تونس يوم 5 ديسمبر 2003 من أجل بلورة وعي متوسطي مشترك بما يعكس تضامن دول غربي المتوسط العشر وخصوصية الشراكة التي تجمعها.
وتأكيدا لهذا التوجّه، جدد الرئيس بن علي في قمة "مسار برشلونة الاتحاد من أجل المتوسط" في العاصمة الفرنسية يوم 13 جويلية 2008، عزم تونس على الإسهام في وضع آليات العمل المناسبة والفعّالة الكفيلة برفع وتيرة الاندماج الاقتصادي بين ضفتي المتوسط وإرساء مرحلة جديدة في العلاقات الأورومتوسطية وبناء مستقبل مشترك بين دول الفضاء الأورومتوسطي أساسه الاحترام المتبادل والحوار والمصالح المتكافئة والشراكة المتضامنة ومرجعيته مقاربة شاملة للتنمية المستديمة.
وكانت القمّة العربية السادسة عشرة التي انعقدت بتونس يومي 22 و23 ماي 2004 مناسبة أكدت صواب رأي الرئيس زين العابدين بن علي ونظرته الواقعية لمدى أهمية القمة وترشيد أداء الجامعة العربية من أجل النهوض بالعمل العربي المشترك وتعزيز مصداقيته وبناء مستقبل أفضل للعالم العربي.
وفي سياق رؤيته الإنسانية ومقاربته العمليّة المتوازنة للعلاقات الدولية، كان احتضان تونس سنة 2005 للمرحلة الثانية من القمة العالمية حول مجتمع المعلومات من العناوين البارزة لرصيد الثقة الذي تحظى به تونس في المحافل الدولية، وتتويجا للمبادرة التي قام بها الرئيس زين العابدين بن علي سنة 1998 في مدينة "مينيابوليس" الأمريكية عندما دعا إلى قمة عالمية تنظر في الفجوة الرقمية بين دول الشمال ودول الجنوب انطلاقا من إدراكه أنّ "الفجوة الرقمية هي فجوة تنموية، وهوّة تعوق الحوار بين الحضارات قبل أن تكون فجوة تكنولوجية".
وتوجت أشغال هذه القمة بصدور وثيقتين مهمتين أولهما "وثيقة التزام تونس " التي تعبّر عن إرادة سياسية قوية للمجموعة الدولية للمضي قدما نحو تذليل الفجوة الرقمية وثانيهما " أجندة تونس لمجتمع المعلومات " التي تعكس حرص الجميع على إيجاد صيغ عملية تجسم الوفاق وتفتح آفاقا جديدة أمام مختلف المجتمعات للنفاذ إلى تكنولوجيات الاتصال وشبكاتها المعولمة دون حواجز ولا معوقات.
وفي نطاق هذا التوجه الإنساني، دعا الرئيس زين العابدين بن علي إلى إحداث " صندوق عالمي للتضامن " لمقاومة الفقر والنهوض بالمناطق الأكثر بؤسا في العالم. وقد صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 ديسمبر 2002 على مشروع قرار يتعلق بإحداث هذا الصندوق.
وحرصا على ترسيخ ثقافة التفاهم والتعاون والتضامن بين الشعوب، قرّر الرئيس بن علي في 7 نوفمبر 2002 إحداث "جائزة التضامن العالمية لرئيس الجمهورية".
كما صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 ديسمبر 2005 على قرار أعلنت بمقتضاه يوم 20 ديسمبر من كل سنة "يوما دوليا للتضامن الإنساني" تأكيدا وتكريسا لقيمة التضامن في العلاقات الدولية التي ما انفك ينادي بها الرئيس زين العابدين بن علي.
وفي أفريل 2008، دعا الرئيس زين العابدين بن علي المجتمع الدولي للمشاركة في مجهود التضامن الدولي حاثا الدول المنتجة للنفط إلى اقتطاع دولار واحد عن كل برميل نفط من أجل تأمين الموارد المالية للصندوق العالمي للتضامن حتى يساهم في دعم البلدان الأكثر فقرا في العالم ومساعدتها على مواجهة المضاعفات السلبية للظرف الاقتصادي الدولي والحيلولة دون انعكاساتها الاجتماعية الكارثية عليها، ودون مزيد استفحال مخاطر الجوع والفقر والخصاصة فيها.
وقد أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بحصافة النداء الذي حث من خلاله الرئيس بن علي المجموعة الدولية على الإسهام في تمويل الصندوق العالمي للتضامن.
وكان اختيار منظمة اليونسكو لتونس عاصمة ثقافية عام 1997 شهادة أخرى على إشعاع تونس العالمي وتميّز مساهمتها في الحوار بين الحضارات والثقافات.
كما أن اختيار القيروان عاصمة ثقافية إسلامية لسنة 2009 من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة دليل جديد على مدى تجذر تونس في عهد الرئيس بن علي في هويتها الحضارية والثقافية وعلى نجاحها في إبراز قيم الإسلام السمحة الحاثة على التآخي والتعايش والتسامح والوسطية والاعتدال وسعيها الدؤوب من أجل القضاء على كلّ أشكال التطرف ونوازع التعصّب والانغلاق.
وسعيا إلى دعم الصورة المشرقة للإسلام في العالم، قرّر الرئيس بن علي في 7 نوفمبر 2002 إحداث " جائزة رئيس الجمهورية العالمية للدراسات الإسلامية " .
والرئيس زين العابدين بن علي متزوّج وأب لستة أبناء. وتنشط حرمه السيدة ليلى بن علي في عدة منظمات خيرية تونسية وعالمية تهتم بمجالات المرأة والأسرة والطفولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.