عبّرت عدة أصوات في الأوساط السياسية والقضائية عن مخاوفها من الارتداد على الحقوق والحريات في تونس من خلال منع المواطنين من السفر ووضعهم تحت الإقامة دون سند قانوني، بل بناء على الاجراءات الاستثنائية و الظرف الخاص الذي تعيشه بلادنا . جاء ذلك على خلفية قيام سعيد في 25 جويلية الماضي بإقالة رئيس الحكومة وتولي السلطات وتجميد أعمال البرلمان طوال شهر ليمددها "إلى اشعار آخر" لاحقا وإخضاع الكثير من الشخصيات السياسية والقضائية وغيرها لقرار منع السفر والإقامة الجبرية, وحثت منظمة العفو الدولية الرئيس قيس سعيد على إنهاء قرارات حظر السفر على مسؤولين في البلاد واعتبرتها "خارج الأطر القضائية"، داعية إياه لاحترام حق التونسيين في حرية التنقل. وأحصت المنظمة في بيان أصدرته اول امس الخميس حالات ما لا يقل عن خمسين شخصا، من بينهم قضاة وموظفون كبار في الدولة وموظفون في الخدمة المدنية ورجال أعمال وأحد البرلمانيين، منعوا من السفر إلى الخارج خلال الشهر الماضي من دون أي إذن قضائي. وقالت المنظمة إن على الرئيس سعيد والسلطات "إنهاء استخدام حظر السفر التعسفي واحترام حرية التنقل" على النحو المكفول بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. من جانبه قال رئيس لجنة البندقية، جياني بوكيتشو ان الاصلاح الديمقراطي يتطلب احترام الدستور و احترام الديمقراطية مشددا على ان محاولة استخدام الطّرق المختصرة للحصول على نتائج سريعة لا يمكن أن يكون صحيحا. وأضاف "مكافحة الفساد يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع احترام الدّيمقراطية والحقوق الأساسيّة وسيادة القانون، أيّ إصلاح ديمقراطي ودائم يجب أن يتّم مع احترام الدّستور وصلاحيّات المؤسّسات الدّيمقراطية وضمانات حماية الحقوق الأساسيّة لجميع الأفراد، بمن فيهم المشتبه بهم في ارتكاب الفساد، ضد أيّ تدخّل تعسّفي". في نفس الإطار، شددت الهيئات العمومية على غرار الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية و الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في بيان لها على ضرورة ضمان احترام حقوق الإنسان :"وعدم التساهل مع انتهاكها تحت أيّ ذريعة وتأكيدهم على أهمّية احترام الحرّيات العامّة والخاصّة والوفاء بجميع الالتزامات التعاهديّة للدّولة التونسيّة في مجال حقوق الإنسان " . ووجهت منظمة العفو الدولية في بلاغ لها أول امس الخميس، دعوة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد من أجل رفع قرار منع السفر على المسؤولين السابقين والقضاة والسياسيين، مشيرة الى انه " قرار تعسفي خارج الأطر القانونية" وفق المنظمة. كذلك وجد اجراءات منع السفر انتقادات من شخصيات سياسية اعلنوا مساندتهم في وقت سابق لقرارات "25 جويلية"، على غرار رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر الذي شدد خلال تصريح اعلامي على أهمية وضعية الحقوق والحريات وخاصة حرية التنقل، وصورة تونس لدى المنظمات الدولية للحقوق والحريات، وأضاف أن الإجراءات كانت في معظمها أمنية في حين أن انتظارات الشعب كانت موجهة نحو إجراءات قضائية. و قال بن جعفر أنه من حق رئيس الجمهورية أن يكون له تصوّر ولكن لا يمكن تطبيقه إلا عبر مؤسسات الدولة، معتبر أن الوضع العام الآن في البلاد هو الغموض. واضاف بن جعفر"ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. لابدّ لسعيّد من التفاعل مع الواقع السياسي العام.. الارتباط بالحس الشعبي والمطلب الشعبي كبير ولكن لا يوجد ديمقراطية في العالم توفر الحقوق والحريات دون أحزاب سياسية". وعبّر العديد من السياسيين ورجال الأعمال ونواب من البرلمان الذين رفعت عنهم الحصانة عن استيائهم من قرارات منع السفر واكتشفوا عندما حاولوا الخروج من البلاد عبر المطار قرارات صدرت ضدهم تمنعهم من ذلك بدون إعلامهم سابقا. وندد 45 قاضيا في بيان بقرارات حظر السفر الذي طال عددا من زملائهم منعوا من مغادرة تونس عبر النقاط الحدودية، مؤكدين "صدمتهم من الانزلاق الخطير الذي تردّت إليه السلطة التنفيذية". كذلك نددت حركة النهض بفرض قرار منع السفر على وزير الاتصالات السابق أنور معروف وهو أحد قيادات الحزب. وقال الحزب في بيان سابق إن قرار وزارة الداخلية لم يكن معلّلا. وندد حزب التيار الديمقراطي المساند للرئيس بمنع أحد أعضائه من السفر إلى مرسيليا حيث عائلته. كذلك اكد الرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب الذي تم وضعه تحت الإقامة الجبرية في تدوينة على صفحته ان "القرار يشكل خرقا واضحا لحقوقي المكفولة دستوريا وقانونيا". في المقابل، أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال خطاب ألقاه في مطار تونسقرطاج في 16 أوت، أنه لا ينوي تقويض الحق في حرية التنقل، مشير الى انه "مكفول بموجب الدستور والمعايير الدولية". ولم يقدم سعيّد منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية بتعليق أعمال البرلمان لمدة ثلاثين يوما وإقالة رئيس الحكومة هشام مشيشي، "خارطة الطريق" التي سيعتمدها والتي طالبت بها العديد من المنظمات النقابية والأحزاب السياسية في البلاد فضلا عن دول أجنبية.