شكّل الملف الاقتصادي طيلة السنوات المنقضية اهم الاولويات الاصلاحية ، لا سيما و أنّ ثورة الياسمين قامت على أساس تدارك أخطاء الماضي و انقاذ المواطن التونسي الذي عانى و لسنوات عديدة من مجموعة من المشاكل المتراكمة، ولعل أبرزها المشاكل الاقتصادية المتمثلة في ارتفاع نسبة البطالة والفقر وغلاء الأسعار، ورغم ان جلّ الحكومات المتعاقبة وعدت بايجاد حلول عاجلة لانقاذ الاقتصاد الوطني و ترميم المشاكل العالقة ، الا ان اغلب التجارب الحكومية و الحلول الظرفية كلّلت بالفشل لاسباب متباينة لعل اهمها التوتر السياسي الذي عرفته البلاد طيلة سبع سنوات متتالية . تضخم معدل البطالة ارتفعت نسبة البطالة في تونس إلى 15.5% حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي(2016) مقارنة ب13% سجلت في البلاد قبيل اشتعال الثورة. فيما تشهد نسبة البطالة لدى حاملي الشهادات العليا إرتفاعا سنة بعد أخرى، ليبلغ عدد العاطلين عن العمل 267.7 ألف فرد في الربع الثالث من عام 2016 (31.9%)، مقابل 236.8 ألف عاطل عن العمل في الربع الثاني من ذات العام (30%) أي أن النسبة في تزايد في المقابل لم نر حلولا جذرية من قبل الحكومات التي تتالت على السلطة ما بعد الثورة . تدهور القدرة الشرائية تسارعت وتيرة ارتفاع مؤشر الأسعار عند الاستهلاك إلى أعلى حدوده و ذلك أساسا منذ سنة 2014 ليصل أقصى مداه في أواخر سبتمبر من عام 2015 بواقع نسبة تناهز 5ر6 بالمائة ويصل نسق الزيادة حاليا في هذا الميدان ما نسبته 1ر1 بالمائة من شهر إلى آخر. في السياق ذاته ، تشير معطيات الاقتصاد الوطني إلى تراجع حاد للمقدرة الشرائية واهترائها وصلت نسبته الى 25 بالمائة منذ 2011 رغم الزيادات العديدة في الرواتب. كما شهد في نفس الإطار مؤشر الأسعار عند الإنتاج ازدياد نسبته 5ر4 بالمائة كمعدل سنوي غير انه عرف تغيرا مفاجئا إلى حد ما خلال سنتي 2015 و2016 اذ قفز إلى مستويات عالية ليصل نسبيا إلى حدود معدل التضخم أي ما يزيد عن 6 بالمائة. ويعكس المؤشر المذكور، بصفة عامة القيمة الحقيقة لأسعار المنتجات في شكل مدخلات وبالتالي فإن ارتفاعه يفسر على أن مسار الإنتاج في البلاد يشهد واقعا اصطناعيا سمته تطور الإنتاج ولكن مقابل ازدياد مرتفع للغاية للأسعار بما يؤثر على تكاليفه وهو ما يعبّر آليا عن تآكل القدرة التنافسية للقطاعات إجمالا. نسبة نمو شبه مستقرة نجحت تونس نوعا ما في عملية الانتقال السياسي ، لكنها لم تنجح في تحقيق انتقال اقتصادي ، وشهدت السنوات الماضية دخول الاقتصاد الوطني في أزمة تراجع ، اذ لم تتجاوز نسبة النمو طوال الخمس السنوات الاولى 1%، ووصلت في بعض الأحيان مرحلة الانكماش. و يلاحظ خبراء و مختصون ، أن المؤشرات الاقتصادية تراجعت باستمرار إلى مستوى ينذر بمخاطر حقيقية، مع معدل نمو يقارب الصفر ومؤشرات اقتصادية كالتضخم والعجز في الموازنات و تدهور قيمة الدينار التونسي. تدهور قيمة الدينار عرف سعر صرف الدينار منذ أكثر من 5 سنوات تراجعا حادا في قيمته تفاقمت منذ دخول القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي في 24 من شهر أفريل 2016 والذي يقضي بعدم تدخل السلط النقدية في تعديل وضع العملة الوطنية وإخضاعها لمبدأ التعويم. ولكن الوضعية احتدت بالخصوص طيلة السنوات الأربع الأخيرة لا سيما في سياق فرض صندوق النقد الدولي عند كل مراجعة لما يصطلح على تسميته بالإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني التقليص في سعر صرف الدينار بنسبة 10% و ذلك منذ 2012 على وجه التحديد. وفي هذا الإطار تراجعت العملة التونسية بنسبة 35ر14 بالمائة مقابل الدولارو ب6ر13 بالمائة أمام اليورو.