لطالما ضُربَ المثل بالثورة التونسية واعتُبرت ‘نبراس' المنطقة العربية لِما أحرزته من خطوات ناجحة في الانتقال بتجربتها الديمقراطية إلى برّ الأمان، وعلى مدار السبع سنوات التي عقبت ثورة الحرية والكرامة ، حققت تونس العديد من الانجازات التي لقيت إعجابا واهتماما كبيرا على صعيد عالمي ؛ على غرار انجاحها لأربعة محطات انتخابية ، خطّها لدستور وطني توافقي، حصولها على جائزة نوبل للسلام، تعاقب 3 رؤساء للجمهورية على قصر قرطاج و 8 حكومات على قصر القصبة… وغيرها من المحطات الناجحة التي عايشتها تونس خلال السنوات الأخيرة وجعلت منها النموذج الديمقراطي الناجح في بلدان الربيع العربي ومكنتها من تصدر الدول العربية في مؤشر الديمقراطية.. ولئن اعتبرت تونس ، على نطاق دولي، نموذجا يحتذى به فيما وصلت إليه تجربتها الديمقراطية، إلا أن هناك أطرافا لم يرُقها ما وصلت إليه تونس من نجاحات تسعى إلى إفشال مسار الثورة التونسية مسخّرة لنواياها الخبيثة كلّ الجهود ومجنّدة أطرافا نافذة سياسيا و إعلاميّا لدعم مخطّطاتها الهدّامة.. والحديث ههنا يتعلّق بالإمارات، إذ ليس جديدا على الدولة الإماراتية تسخير قواها لإفشال مسار الانتقال الديمقراطي في تونس على نفس خطى ما قامت به في إفشال ثورات أقطار "الربيع العربي" لغضبها من ‘رسالة الأمل' التي بثتها تونس إلى الشارع العربي.. وقد أثبتت الوثيقة الاماراتية السرية المسربة مؤخرا مدى خطورة المكائد التي تحيكها الدولة التي عُرفت بلقب "مركز الفتن العربي" مسخّرة من أجل ذلك ثلة من الإعلاميين والسياسيين التونسيين الذين يعملون لصالح أجنداتها. ولعلّ ما يثير غضب الحكام الإماراتيين هو ربط الثورات العربية بفكرة الديمقراطية، بكل معانيها من انتخابات حرة ونزيهة ومنافسة سياسية مفتوحة بين الأحزاب والكتل السياسية ووجود برلمانات حرة وحكومات مقيدة بسياسة القانون والدستور. ولا تُسِرُّ الإمارات عدائيّتها المكشوفة ل "ثورات الربيع العربيّ"، ولعلّه كان في حسبانها أن تكون مكانة حركة النهضة أدنى مما هي عليه الآن، و كانت تتوقع موقفا مخالفا لتونس في معالجة القضايا العربيّة، وبالتالي خيرت الضغط عليها للارتهان لقرارها السياسي.. أصل الأزمة يعود إلى السنوات الخوالي منذ اعتلاء حركة النهضة لسدّة الحكم في 2011، إذ خططت الإمارات انذاك لتكرار نموذج الانقلاب المصري في تونس بطرق جديدة، عبر نشر الفوضى وتقويض الديمقراطية الوليدة، وأثارت الصراع بين القوى السياسية ، وخططت لجعل المرحلة الانتقالية صعبة، إلا أن التونسيين نجحوا في تجنب السقوط إلى الهاوية، بصعوبة بالغة بعد سقوط نظام المخلوع بن علي. ومهّد التونسيون الطريق نحو التحول الديمقراطي بتمكنهم من تخطي تلك المرحلة، إلا أن الإمارات مازالت مصرة على إجهاض التجربة التونسية والهدف منها إرسال رسالة إلى القوى العالمية بأن الديمقراطية ليست مناسبة للعرب، ولا بديل عن الأنظمة الاستبدادية، والتي تستطيع فرض الأمن والاستقرار وحماية مصالح تلك القوى. في المقابل، شكل نجاح تجربة التحول الديموقراطي في تونس ، على صعيد دوليّ، استثناء حقيقياً عن تجارب البلدان العربية الأخرى التي مرت بمرحلة ‘الربيع العربي'، وبالحقيقة لا يشكل هذا النجاح تحدياً نظرياً فحسب، بل إن تفسيره ربما يذهب إلى أبعد من ذلك في ما يتعلق بتأكيد الفشل في تفسير نظريات التحول الديموقراطي في المنطقة العربية. وقد استحوذت تونس على اهتمام مركز كارنيغي للشرق الأوسط إلى نقاش حول كتاب صفوان م. المصري الأخير وعنوانه Tunisia: An Arab Anomaly (تونس: استثناء عربي) (مطبوعات جامعة كولومبيا، 2017)، بين المؤلّف و مهى يحيَ ، في إطار ندوة دولية حول التجربة التونسية. و يعرض المصري العوامل التي شكّلت تجربة البلاد الاستثنائية منذ الربيع العربي، ويجادل بأن تونس لاتبرز كنموذج يمكن تكراره في دول عربية أخرى، بل هي استثناء للقاعدة، إذ أن تاريخها الإصلاحي يضعها على مسار منفصل عن باقي دول المنطقة.