لا تزال تداعيات الاحتجاجات التي شهدتها البلاد خلال الأيام الأولى من جانفي الجاري متواصلة ، ملقية بظلالها هذه المرّة على "المشهد الإعلامي" في تونس إذ مسّت أحد أهم البرامج التي تبثّها "موزاييك اف ام" أكبر مؤسسة إذاعية في تونس بعد القرار الذي اتخذته الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري "الهايكا" في حقّ البرنامج والقناة. وقد اعلنت الهايكا مساء الثلاثاء عن قرارها بإيقاف برنامج "أحلى صباح" الذي يبث على إذاعة "موزاييك أف أم" الخاصة، لمدة أسبوع، بداية من الأربعاء. وبرّرت الهايكا قرارها بما ورد في البرنامج بتاريخ 11 جانفي الجاري من اتهامات وخطاب كراهية ضد بعض السياسيين منهم حمة الهمامي الناطق الرسمي للجبهة الشعبية والنائبة سامية عبو والنائب عدنان الحاجي والنائب عمار عمروسية والنائب المنجي الرحوي على خلفية الاحتجاجات الليلية وأعمال العنف التي شهدتها بعض المناطق التونسية ليلة 10جانفي . هذا القرار اعتبرته إدارة إذاعة "موزاييك" صادماً، معربةً عن استغرابها من سرعة اتخاذ مثل هذه القرارات. كما أكدت هيئة تحرير الإذاعة، للرأي العام، أنّ "الأحداث المتسارعة في البلاد والصراعات السياسية التي تشهدها قد جعلت من إذاعة "موزاييك" هدفاً لضغط غير مسبوق من جميع الأطراف دون استثناء في محاولة للتأثير على الخط التحريري الذي سيبقى وفياً لقواعد الحرفية واحترام أخلاقيات المهنة والاستقلالية والميثاق التحريري مع التّمسك بالتّعديل الذّاتي ومحاولة إصلاح أيّ خطأ أو انحراف عن هذا المسار". و لئن أعلنت إذاعة القناة التزامها بتطبيق قرار الهايكا، بيد أن البرنامج الصباحي المعاقب تمّ بثه صباح الاربعاء بنفس فريق العمل، ولكن دون ذكر عنوان البرنامج "أحلى صباح" ، مدرجين عليه اسم "بلاش عنوان" . وقد انتقد متابعو الشأن العام ما بدر من الهايكا سيما وأن مسألة اتهام أطراف سياسية (الجبهة الشعبية وغيرها) بالتحريض على التخريب لم تأت من عدم ، بل ان تصريحات قيادات الجبهة المؤلبة للرأي العام هي التي كشفت أسلوب التحريض الذي يعتمدونه ، كما سبق لرئيس الحكومة يوسف الشاهد أن وجه بصريح العبارة أصابع الاتهام الى الجبهة بتحريضها للمحتجين. وعن اتهام "الهايكا" بالتدخّل في الشأن السياسي، قال عضو "الهايكا"، هشام السنوسي ساخراً "الهايكا لها وظيفة سياسية باعتبار أن الدستور التونسي منحها كثيراً من الأدوار؛ منها أنها قائمة على دعم الديمقراطية، والمسار الديمقراطي هو مسار سياسي بامتياز ولكن بعضهم يريد إفراغ الهايكا من وظيفتها التقريرية، مثلما لمح إلى ذلك رئيس الجمهورية في حوار مع إحدى الصحف التونسية عند حديثه عن الهيئات الدستورية". وختم السنوسي بالقول إن "أزمة الإعلام التونسي بقدر ما هناك مسؤولية تتحملها المؤسسات الإعلامية، لكن الإرادة السياسية في الإصلاح تبقى هي المؤشر الأساسي لكل خطوة في خلق إعلام تونسي حرّ مستقل وتعددي". جدير بالإشارة إلى أن "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" تلعب دوراً محورياً في المشهد الإعلامي في تونس، منذ تأسيسها، إذ تمنح التراخيص القانونية للإذاعات والتلفزيونات الجديد، وتقوم بدور التعديل المابعدي لما تبثه هذه الإذاعات والتلفزيونات. وتتدخل بفرض عقوبات مالية، وحتى إيقاف البرامج والتهديد بسحب التراخيص لكل من يقدم مادة إعلامية لا تراعي طبيعة المجتمع التونسي أو تمس السلم الأهلي، إلا أنها تتعرض أيضاً إلى جملة من الانتقادات حول دورها في إغراق المشهد السمعي البصري في تونس بإذاعات وتلفزيونات لا تمتلك القدرة على الاستمرار في العمل، ما يعرّض العاملين فيها إلى البطالة.