توتر مزمن يدخل الأحزاب السياسية بتونس في متاهة التفكك والخلافات بعد أن أخفقت في تحديد أولوياتها، وهو ما يعكس واقعا سياسيا متداخلا ومفتوحا على كل الاحتمالات بسبب الخلافات والانقسامات التي جعلته يندفع بقوة نحو التصدّع. ويبدو ان هذا الخلاف وتتالي التصريحات المنتقدة لها، سيلقي بظلاله على البيت الداخلي المتماسك للجبهة بدا كأنه مصنوع من الرمال، وهو أبرز إفرازات التشكل السياسي الذي أفرزته نتائج انتخابات 2011، بين الكتل والأحزاب، وتمثلت في انشقاقها، وتشظيها، وتحول الهجوم بين نوابها وقياداتها بدل، قيادات الاحزاب التي تعارضها، وتعارض فكرها. واقع الحال يؤكد، تصريح أرملة الشهيد شكري بلعيد بسمة الخلفاوي، التي أكدت أن عائلة الشهيد لم تعد تعنيها الإنتماءات السياسية، وغير راضية عن عمل الجبهة الشعبية وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد فيما يتعلقّ بالدفاع عن ملف الشهيد. وأكدت الخلفاوي على هامش الندوة الصحفية التي إنعقدت الثلاثاء 6 أفريل 2018 بدار المحامي بالعاصمة، بدعوة من الهيئة الوطنية للمحامين بتونس، أنّ ما تقوم به الجبهة الشعبية وحزب الوطد في هذا الإتجاه منقوص وأقل من حجم شكري بلعيد وما يتطلبه النضال اليومي من أجل معرفة الحقيقة. وأوضحت أن سبب حضور عائلة الشهيد بلعيد بدار المحامي وتغيّبهم عن الندوة الصحفية للجبهة الشعبية، يعود إلى تلقيهم الدعوة لإحياء ذكرى مرور خمس سنوات على استشهاد شكري بلعيد من هيئة المحامين فقط، قائلة ‘لم يقم أي طرف آخر بدعوتنا ولو تمت دعوتنا من قبل الجبهة الشعبية للبيناها'. وأضافت في هذا الصدد، أن الجبهة الشعبية وحزب الوطد، يتبنيان نفس المسار النضالي لشكري بلعيد، لكن العائلة تختلف معهم في عديد النقاط، متابعة قولها ‘نحن والجبهة الشعبية وحزب الوطد لسنا أعداء باعتبار أن عدوّنا الرئيسي هو من اغتال شكري بلعيد، ومطلبنا الأساسي والمشترك هو معرفة الحقيقة كاملة ومعاقبة الجناة. قبل ذلك أكد القيادي في الجبهة الشعبية عبد الناصر العويني بتاريخ 21 ديسمبر أن الجبهة غير جاهزة للحكم في الوقت الحالي، وقال في حوار على راديو الديوان إن للجبهة الشعبية مشاكل تنظيمية حقيقية وهي غير قادرة على استيعاب المناضلين، مضيفا هناك مشاكل في البرنامج السياسي للجبهة والتي لم تستطع حشد أنصار له من خارج الحزب. وتابع عبد الناصر العويني الجبهة الشعبية مازالت تمارس النضال على طريقة الهواة. وكان الأمين العام لحركة البعث عثمان بالحاج عمر قد أفاد في تصريحات صحفية سابقة أن "الجبهة الشعبية دون حزب البعث يمكن أن تكون كل شيء الا الجبهة الشعبية، ونحن اليوم سوف لن نحضر المجلس المركزي لأنه لا يتضمن نقاطا لمناقشتها"، كما قال إن ما صدر عن الجبهة معيب وغير لائق، وما صدر لا يمكن ان يصدر الا عن جهة مستبدة ومعادية وسنتابع الموضوع وسنتخذ القرارات المناسبة. وذلك ردا على الجبهة التي تبرات من مواقف أصدرها الحزب عقب لقاء أجراه مع رئيس الجمهورية. ينضاف الى ذلك التصريحات المتواترة للقيادي والنائب منجي الرحوي التي ينتقد فيها الناطق الرسمي باسم الجبهة حمة الهمامي في عدة مناسبات، لترتفع حدة تصريحات الرحوي الى انتقاد الجبهة وعملها، حيث كشف وجود إخلالات كبيرة جدا في الجبهة الشعبيّة حالت دون أن تتطور بسرعة. وشدد في تصريحات صحفية سبقتها، على ان الجبهة الشعبية بالمعطيات الحالية وإمكانياتها الموجودة لا تستطيع وحدها إصلاح تونس، وان القائمين على الحكم حاليا اثبتوا فشلهم في الاصلاح. هذا وصرح القيادي السابق في نداء تونس منذر بالحاج علي ان نداء تونس كان يدعم زياد لخضر لرئاسة البرلمان و كان يجري توافقات مع الجبهة الشعبية لتشكيل المشهد السياسي، مؤكدا أن حمة الهمامي و بعض الاطراف من النداء هم من رفضوا صعود لخضر لرئاسة البرلمان. واكد بالحاج علي ان هذه الخطوة اتخذت خوفا من اتهامهم بالتغول لكن كل التوافقات فشلت قبل المائة متر الاخيرة على حسب تعبيره. وحسب عديد المراقبين فإن خروج الصراعات الداخلية للجبهة الى العلن، قد يشكل المرحلة الاولى نحو خلافات حادة وانشقاقات جذرية. ويؤكّد المراقبون امكانية تصدع الجبهة الشعبية واندثارها إذا لم تسارع إلى إصلاح بنيتها الداخلية، ومراجعة نمط خطابها، وتداول المواقع داخل هياكلها.