يظن بعض السياسيين الذين ألقت بهم الصدف في خضم المشهد السياسي وبعض الاحزاب الفاقدة لبرامج وتأييد شعبي أن الهدف من العملية السياسية هو إضعاف هذا الحزب أو ذاك، أو أن المهمة الملقاة عليهم هي تبخيس السياسة الحكومية، وتحقير وزرائها، وشتمهم أحيانا أخرى. هذا ما أثبتته مواقف أغلب الاحزاب على اثر إدراج تونس ضمن قائمة سوداء جديدة من قبل البرلمان الأوروبي الذي صنّفها ضمن قائمة البلدان الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تلاقفت الأحزاب الحدث للإدلاء بمواقفها وتصوراتها، وحملت أحزاب المعارضة الأحزاب المشاركة في الحكم وكل الحكومات المتعاقبة منذ الثورة مسؤولية إدراج تونس ضمن قائمة سوداء. فالحزب الجمهوري، اعتبر أن هذا التصنيف الجديد يعكس هشاشة المؤسسات المالية و البنكية التونسية، و تأخرها في القيام بالإصلاحات التي يستوجبها مكافحة الإرهاب و منع غسل الأموال، و التراخي في متابعة و مراقبة الأموال التي تدفقت على البلاد بعد الثورة، و التغاضي زمن "الترويكا" عن تمويل الجمعيات المشبوهة، و إستمرار هذا العجز مع المنظومة الحاكمة حاليا. ولفت إلى أن المسارعة بتقديم كبش فداء، من خلال قرار عزل محافظ البنك المركزي، لن يحل الإشكال القائم و لن يساعد في إقناع الشركاء الأوربيين بنجاعة السياسات الوطنية، مبينا أن دولة يمثل الإقتصاد الموازي والتهريب 52 % من القيمة الجملية للناتج الوطني، لا يمكن إلا أن تمثل أرضية مواتية لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ودعا إلى مراجعة جدية للاختيارات والسياسات التي ثبت قصورها، والإتفاق على صيغة حكم جديدة تؤمن التوازنات الكبرى و تمنع إنهيار الأوضاع الإقتصادية، وتمكن من السير بالبلاد نحو الاستحقاقات الإنتخابية القادمة في أفضل الظروف. وحمل الحزب الدستوري الحر السلطة القائمة حاليا، المسؤولية القانونية والسياسية في اعتمادها سياسة التوافق مع الطرف الرئيسي الذي رسم السياسات المدمرة لحكومات "الترويكا". وأعلن الحزب، عن شروع لجنته القانونية في تجميع الملفات لتقديم شكايات جزائية وإدارية ضد رؤساء الحكومات المتعاقبة منذ انتخابات 2011، وكل من تورط في الاضرار بالمصالح العليا للوطن، إضافة إلى تكليف محام بالحصول وفق الإجراءات اللازمة، على التقارير والملفات التي اعتمدها النواب الأوروبيون في تصويتهم لصالح قرار تصنيف تونس بالقائمة السوداء، وتشكيل وفد من البرلمانيين السابقين القياديين حاليا بالحزب للاتصال بنظرائهم الأوروبيين لإنارة الرأي العام حول حقيقة هذا الملف الحارق. من جهته، عبر حزب المبادرة الوطنية الدستورية، عن عميق استيائه لقرار تصنيف تونس ضمن القائمة المذكورة، والذي سيلحق ضررا فادحا بصورة تونس على الصعيد الدولي، ولا ينسجم مع ما تبذله البلاد من جهود من أجل إصلاح اقتصادها ومقاومة كل مظاهر الفساد والتصدي للارهاب بكل اشكاله. ودعا حكومة الوحدة الوطنية، إلى الإسراع باتخاذ الإجراءات العملية لمعالجة هذا الوضع الناتج عن هذا القرار "الجائر"، الذي قد يحد من اقبال المستثمرين ويعطل النمو الاقتصادي، وذلك بتتبع عاجل للمتسببين فيه ومحاسبتهم والدفع نحو مراجعة هذا التصنيف في القريب العاجل، ومضاعفة جهودها في الحرب على الفساد ومقاومة الإرهاب، وتعزيز مناخ الاستثمار والأعمال في البلاد. بدوره، عبر المكتب التنفيذي لحركة النهضة عن استيائه الشديد من القرار "المجحف" الذي اتخذته مفوضية الاتحاد الأوربي، معتبرا القرار "ظالما" في حق تونس وفي حق ما تقوم به من اصلاحات وما تراكمه من تشريعات مهمة لبناء منظومة محكمة وقوية وفق المعايير الدولية لمحاربة تبييض الاموال ومقاومة الارهاب. ودعا الحكومة بجميع هياكلها، الى بذل قصارى الجهد لمعالجة هذه الوضعية، مطالبا المفوضية الأوروبية باستعجال سحب تونس من هذه القائمة، خاصة وأن 376 نائبا أوروبيا أبدوا اعتراضهم على هذه اللائحة، وفق البيان. هذا وتعيش الساحة السياسية منذ أيام على وقع زلزال إدراجها على قائمة سوداء جديدة، بعد أقل من شهر تقريبا على تصنيف البلد في شهر جانفي الماضي ضمن قائمة سوداء للملاذات الضريبية قبل التراجع عن ذلك وسحب تونس من القائمة المذكورة بعد تحرّك الحكومة وضغطها على بلدان الاتحاد الأوروبي.