يراهن غالبية التونسيين وخاصة أهالي الجهات الداخلية على الانتخابات البلدية لتركيز مؤسسات حكم محلي حقيقية تمكنهم من المشاركة في إدارة شؤونهم بأنفسهم وتخفف من وطأة السلطة المركزية، اعتبارا لأن هذا الاستحقاق البلدي أحد أعمدة الارتكاز لسلطة الشعب. غير أن بعض الأطراف في تونس تتقن جيدا فن صناعة الأزمات للاستفادة منها وهو ما قد يفسر تعمد بعض الأحزاب السياسية وضع العثرات امام أجراء هذا الاستحقاق البلدي، وقد أقرت لاحقا بعجزها عن أجرائه صراحة بعد أن استنفذت كل اساليبها في تعطيله، وفي اللحظة التي اقتنع أغلبها بأنها ستُجرى في ماي القادم لا محالة، يبدو أن نقابات الامن هي الأخرى تحاول التأثير على مجريات الاستعداد لهذا الموعد. هذا وهدد الإتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي بمقاطعة الأمنيين الإنتخابات البلدية المنتظر تنظيمها يوم 29 أفريل المقبل في صورة عدم توصل الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات إلى معالجة الإخلالات الواردة بالرزنامة. وحمّل اتحاد النقابات في بيان صادر عنه الاربعاء 14 فيفري 2018، هيئة الإنتخابات المسؤولية القانونية باقرارها الصمت الإنتخابي يوم 4 ماي 2018 في حين أن الأمنيين يقومون بواجبهم الإنتخابي قبل ذلك معتبرا أن في ذلك "خرقا واضحا للقانون وشفافية العملية الإنتخابية ومن شأنه احداث تشويش على عملية انتخاب الأمنيين". و قد نصت الهيئة العليا للإنتخابات في الفصول 8 و9 و10 من قرارها عدد 22 لسنة 2017 المؤرخ في 18 ديسمبر 2017 المتعلق برزنامة الانتخابات البلدية لسنة 2018 على أن الحملة الانتخابية تنطلق يوم 14 أفريل 2018 وتنتهي في 4 ماي 2018 على أن تنطلق فترة الصمت الانتخابي يوم 5 ماي وتمتد إلى حين غلق آخر مكتب اقتراع بالدائرة الانتخابية على أن يتم الإقتراع يوم 6 ماي 2018 في حين يقترع الأمنيون والعسكريون يوم 29 أفريل 2018. وكان مجلس النواب قد صادق في جانفي 2017 على السماح للأمنيين والعسكريين بالمشاركة في الانتخابات البلدية والجهوية دون سواهما، وقد تمت المصادقة على هذا الفصل بأغلبية برلمانية (144 نعم، 3 احتفاظ، 11 رفض).ه وقد سبق وأن تقدمت به الكتل البرلمانية لأحزاب نداء تونس وآفاق تونس والجبهة الشعبية وكتلة الحرة، المقترح بصيغ مختلفة، فيما عارضته الكتلة الديمقراطية وكتلة حركة النهضة. ويحذر مراقبون من أن تفتح مشاركة الامنيين في الانتخابات البلدية دون الانتخابات التشريعية والرئاسية الباب أمام "تحزيب القوات الحاملة للسلاح"، وبالتالي التقليص من حياديتها وإقحامها في لعبة الصراع السياسي على السلطة، كما يفسح المجال للنقابات الأمنية لتعزيز تأثيرها السياسي. بيان التهديد، يأتي بعد سعي بعض الاحزاب الصغيرة غير الجاهزة لخوض المحطات الانتخابية المقبلة، الى تعمد تعطيل هذا الاستحقاق وتعطيل المسار الانتخابي برمته، لأنها تعتبر نفسها غير جاهزة لخوض هذا الاستحقاق الانتخابي، وهو ما وصف محللون بالنية المبيتة لبعض الاحزاب للهروب من هذا الاستحقاق . هذا ويعد إجراء الانتخابات من عدمها مؤشرا على تقدم مسار الانتقال الديمقراطي في تونس من عدمه، ويبعث بعدة رسائل إلى الداخل والخارج توحي إما بأن البلاد في طريق المعافاة، والخروج نهائيا من الحدود الفاصلة بين الاستبداد والديكتاتورية، أو الفشل التام. يذكر أن الاستحقاق البلدي ورغم أنه مطلب شعبي، وضرورة تحتمها الثورة وأحداثها، تأجل للمرة الخامسة على التوالي، إذ كان من المقرر إجراؤه في 30 أكتوبر 2016، ثم تأُجّل إلى 26 مارس 2017 ثم إلى 17 ديسمبر من نفس العام، ثم الاتفاق على إجرائها في 25 مارس 2018، واستقر أخيرا الموقف على إجرائه في 06 ماي 2018، هذا التاخر المتكرر اعتبرته جهات عديدة متعمد، ومحاولة لبعض الأطراف السياسية لكسب مزيد من الوقت.