ظلت علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل بالسياسة منذ بداية دولة الاستقلال علاقة جدلية تقوم في أغلبها على الاختلاف وتباين وجهات النظر، غير ان الأحداث الاستثنائية التي هبت مع رياح الثورة شملت أيضا هذه العلاقة وغيّرت اتجاهها ليدعم الاتحاد الحكومة في عدة محطات. هذا الدعم تطورت تجلياته، ويبدو أنها على أبواب ادخاله السياسة من بابها الكبير، وهو ما أثارته دعوة نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي إلى إجراء تعديل وزاري، واعتبر مراقبون ذلك حيادا للمنظمة عن دورها كمنظمة نقابية إلى حزب سياسي. وتعد هذه المرة الأولى التي يجاهر فيها الاتحاد بالتدخل المباشر في الشأن السياسي حيث اكتفى خلال السنوات الماضية بنقد الحكومة والمطالبة بإشراكه في القرار. في المقابل، سارع الطبوبي إلى التوضيح بأن الاتحاد "ليس دعاية حكم، وأكد أن ما قيل أنها مطالبة منه بتحوير وزاري، هي دعوة إلى القيام بتقييم موضوعي لوضع البلاد ومسؤولية كل طرف على هذا الوضع والمؤشرات السلبية، قائلا في هذا السياق "لسنا دعاة حكم.. ولا بش نشدوا وزارة". وأكد الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أمام المؤتمر الجهوي للاتحاد بسيدي بوزيد بأنه لم يعد بالإمكان الصمت أمام الإخفاقات المتتالية للحكومة من قوائم سوداء وتعطل آلية الإنتاج وتوقف الإصلاحات. وأضاف أن مواطن خلل هيكلية قد أضحت واضحة اليوم في الأداء الحكومي مما يستوجب إصلاح الأخطاء بتغيير وزاري لا يشمل فقط بعض الوزراء ولكن كذلك بعض كبار المسؤولين في الدولة وضخ دماء جديدة كفأة لا تخضع لولاءات حزبية ضيقة حتى يتسنى إنقاذ البلاد ووضعها على الطريق السوي. تعليقا على ذلك، أكد المحلل السياسي عبد الله العبيدي في تصريح ل"الشاهد"، أن الهيكلين الوحيدين الذين يعملان بصفة مهيكلة هما اتحاد الشغل وحركة النهضة، وهما الوحيدان اللذان يطرحان أمورا ملموسة، مذكّرا في ذلك بتصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي قال فيه أن بعض الشخصيات المرموقة التي زارت تونس أسرت له أن حركة النهضة والاتحاد الحزبين الوحيدين في البلاد. وشدد العبيدي على أن الاتحاد له الحق في المطالبة بإجراء تحوير وزاري وتعديل الحكومة التي هو شريك فعلي فيها، وهو الوحيد الذي بقي مساندا لها على خلاف باقي الاحزاب السياسية التي تخلت عنها من اجل مصالحها الانتخابية. وأشار محدث "الشاهد" أن الاتحاد بقي الحليف الاساسي لرئيس الحكومة، بالتالي له الحق في انتقاد التشكيلة الحكومية التي يدعمها بعد أن راقب عملها عن كثب، خاصة أن بعض الاحزاب انسحبت من وثيقة قرطاج فيما بقي ممثلوها في الحكومة. ويبدو أن الاتحاد بات يفكر جديا في ممارسة السياسة وحتى خوض غمار الانتخابات وفق ما أكده الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل المكلف بالقطاع الخاص محمد علي بوغديري، الذي قال في تصريح ل"الشاهد"، أن الاتحاد دعا النقابيين ومنظوريه للمشاركة في التصويت والمشاركة في القائمات الانتخابية، تفاديا لإمكانية نجاح الدعوات لمقاطعة الاستحقاق البلدي. ولفت في المقابل، إلى أن المنظمة تفكر جديا مستقبلا في المشاركة في الانتخابات البلدية بقائمات خاصة بها، حتى تضمن تمثيليتها في المجالس الجهوية، إذا لم تُمنح لها مقاعد فيه، بل ستجد نفسها مجبرة على ذلك، لأنها حسب البوغديري لا يمكن أن تجد نفسها خارج القضايا التي تمس عموم الشعب، مشددا على أن الاتحاد يناقش ذلك لكنه لم يتخذ فيه قرار واضح. وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد صعّد من خطابه السياسي منذ مطلع السنة، حيث حذر كل من امينه العام نور الدين الطبوبي و أمينه العام المساعد بوعلي المباركي من خطورة تأزم الوضع السياسي في البلاد، وأكد أن الوضع السياسي المتأزم في تونس′′ أصبح يُهدد مسار الانتقال الديمقراطي، وسيؤدي إلى تداعيات خطيرة". واعتبر الطبوبي في عدة تصريحات أن تونس تعيش "أزمة أخلاق سياسية، وأزمة مراهقة سياسية"، و" توافقا مغشوشا ومُحاصصة مفضوحة"، لافتا إلى أن البعض همهم الوحيد المناصب والنفوذ. وقد استنكرت أحزاب المعارضة الدور المتصاعد للمركزية النقابية، في إدارة شؤون البلاد، الذي تجاوز دوره النقابي في الدفاع عن منظوريه من العمال إلى التدخل بقوة في الشأن السياسي. وفي هذا الإطار، انتقد رئيس حزب الحركة الديمقراطية أحمد نجيب الشابي الدور الذي يلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل مستنكرا تمسّكه بالتدخل في الشأن السياسي، مصرحا "كل المؤسسات لها وظيفة خاصة بها في إطار الديمقراطية، ووظيفة النقابات الدفاع عن مصالح منظوريها الاجتماعية".