ظنّ الكثيرون أنّ مشاكل الخلاف بين النقابات التربويّة و الحكومة ممثلة في وزارة التربية ستنتهي حال مغادرة الوزير السابق للتربية و التعليم ناجي جلول ،إلاّ أنّ التطورات الأخيرة كشفت عكس هذا ، إذ أنّ الخلاف بين الطرفين قائم و متجدّد و يتجاوز أسماء الوزراء بقدر ما يتمحور حول المطالب و مدى الاستجابة لها. و في خطوة تصعيدية قرّرت نقابة التعليم الثانوي حجب أعداد امتحانات السداسي الأول عن الادارة للمطالبة بحقوق الأساتذة المهنية المتمثلة في تحيين المنح الخصوصية لأسلاك التعليم الثانوي وإصلاح المنظومة التربوية. و بحسب مصادر مطلعة، يتجه بعض الأولياء نحو مقاضاة لسعد اليعقوبي على خلفية قراره القاضي بالمواصلة في سياسة حجب الأعداد،خاصة و أنّ الحجب يتواصل للشهر الثاني على التوالي. و يرى بعض الاولياء أن تمرّد النقابي لسعد اليعقوبي مبالغ فيه، ما جعل كثيرون يلقّبونه ب "عدوّ الجميع" في حين يعتبره البعض الآخر مجرد "ظاهرة نقابية" حتى أنهم يقولون من باب التندّر أو ربما الجدية : "هناك نقابيّون.. وهناك لسعد اليعقوبي". و فيما يُؤكّدُ لسعد اليعقوبي أنّ المعركة التي يخوضها قطاع التعليم الثانوي هي معركة من أجل الحقوق و من أجل حقّهم في التقاعد وتحسين ظروفهم المادية، يرى المراقبون أنّ صورة العمل النقابي تكاد تفقد صفاتها المعهودة وطغى عليها السياسي للتحوّل إلى بلطجة نقابيّة ، فيما تلاحظ الحكومة ان اغلب مطالب الجامعة العامة للتعليم الثانوي "مستحيلة ". وأكّد وزير التّربية حاتم بن سالم، أنّ أغلب مطالب الجامعة العامة للتعليم الثّانوي، مادية "تتعلق بالزّيادة في المنح" موضّحا في برنامج "قهوة عربي"الّذي يبث على القناة الوطنية الأولى، أنّ بعض المطالب يمكن للحكومة و وزارة التّربية التّفاعل معها إيجابيا لكن بعضها مستحيل. و تابع الوزير أنّ الجامعة تطالب بالتّرفيع في منح التّرقية و هذا يُكلّف الدّولة 285 مليون دينار مضيفا أنّه في حال تمّت الموافقة في الزيادة في هذه المنحة لأساتذة التعليم الثانوي فإنّه من اللّازم التّرفيع في المنحة المخصّصة لأساتذة التعليم الإبتدائي. كما أشار وزير التّربية إلى أنّه في مجال الزّيادات و الترقيات الدّولة منحت 597 مليون دينار لأساتذة التعليم الثانوي بين سنتي 2015 و2017. و في تعليقه على الموضوع، لفت القيادي بالجبهة الشعبية محسن النابتي في تصريح "للشاهد"، أن المشاكل التي يعاني منها قطاع التربية و التعليم مردّه عجز وزارة التربية التي لا تحمل رؤي خاصّة و أن ممثليها غير مدركين بالأزمات التي يتخبط فيها التعليم ناهيك عن وجود ضعف اتصالي بالوزارة . و تابع بالقول " كان على الوزارة أن تفتح حوارا جديّا مع النقابة و لكن يبدو ان وزير التربية الحالي حاتم من سالم لم يتخلص بعد من التركة القديمة باعتباره "ابن النظام القديم "،على حدّ قوله . في المقابل يرى ملاحظون انّ اتحاد الشغل بعد الثورة ليس هو نفسه اتحاد ما قبلها. اذ أنّ صورة العمل النقابي تكاد تفقد صفاتها المعهودة وطغى عليها السياسي في الكثير من الأحوال. "ليست نقابة الأمنيين حملة السلاح في المحاكم ضد القضاة هي الوحيدة التي تمارس البلطجة فهناك نقابات أخرى مارست بلطجتها ولم تحتج إلى سلاح "، موقف أكّده الكاتب نور الدين العلوي ، الذي لفت إلى أنّ التغوّل الحقيقي تجلّى بوضوح أكبر في الدور الذي يسنده الاتحاد العام التونسي لنفسه لحلوله محلّ الحكومة من أجل الاستيلاء على مزيد من النفوذ السياسي . و لفت العلوي في مقاله نشره على موقع "نون بوست" أنّ الإشكال القائم أن هذا التغول يفتح الطريق أمام القوة والتمرّد على الحكومات وعلى كل نتيجة محتملة للانتخابات. فليس مهما عند اليسار (المتحكم في النقابات) أن يشارك في الانتخابات أو يحصل مواقع سياسية بالصندوق مادام يتحوز على منظمة من البلاطجة يفرضون على الحكومات ما يريد اليسار. وخلال الفترة الماضية نقل الاتحاد انتقاداته للحكومة إلى النقابات القطاعية مثل نقابة التعليم الثانوي القوية والتعليم العالي والأطباء والبريد ليمارس من خلال الإضرابات نوعا من الضغوط الاجتماعية والسياسية على الحكومة. و أغلقت نقابة الصحة بصفاقس مشتفى عاما في وجه الأطباء والمرضى ومنعت تغيير إدارته إلا بمن ترضاه، وحصلت نقابات الضمان الاجتماعي على حق التمتع بالتقاعد دون دفع المساهمات الواجبة للتقاعد، وفرضت نقابة السكك الحديدية حق توريث الوظائف لأبناء أعوانها بعد خروجهم للتقاعد أو الموت. وأنقذت نقابات الأطباء منظوريها من الخضوع لنظام ضريبي على قاعدة الدخل الحقيقي. ومنعت نقابات التعليم الثانوي والعالي إجراء الامتحانات وإيفاء الإعداد التقييمية للمتعلمين لحين تحصليها على منح مكملة للأجور. و يجمع اهل الاختصاص السياسي على أن الهدف المعلن من وراء كلّ ممارسات الاحتحاج هو شلّ أجهزة الدولة وإضعافها توازيا مع تعنّتها و رفضها لكل الخيارات الحكومية. ورغم أنّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد شدد في أكثر من مرة على أن علاقته بالاتحاد ستحكمها سياسة الحوار والتشاور حول مختلف الملفات وفي مقدمتها الملف الاقتصادي والاجتماعي، غير أن الاتحاد انتهج سياسة الضغط تجاه الحكومة مستفيدا من الأوضاع الاجتماعية المتدهورة حيث ما انفك يحمل مسؤوليتها للحكومة والحال أن الأزمة تتجاوزها. و في تعليقه على اتهام البعض اتحاد الشغل بالتسيس، قال محدثنا محست النابتي "من يقول مثل هذا الكلام غير مدرك بدور اتحاد الشغل الذي اضطلع و خاض مهام وطنية لم يسبقها فيه غيره ، متساءلا " لما لم يخرج مثل هكذا حديث عندما واجه اتحاد الشغل الاستعمار ." و تابع القيادي بالجبهة الشعبية بالقول " مطالب اتحاد الشغل لم تخرج عن بعدها النقابي بل ترتكز مطالبه حول أمهات القضايا و ردّة فعله ما هي إلا ردة فعل طبيعية على الاستغلال و البؤس و الأزمات الاجتماعية المتراكمة "