باتت الساحة السياسية تشهد مؤخرا ما وصفه مراقبون ب"الهبوط" في المستوى الاتّصالي للسياسيين من خلال استعمال خطابات شعبوية وسوقية لا ترتقِ إلى مستوى مناصبهم.. ورغم مضي أكثر من 7 سنوات على ثورة 2011, فإن المنهج الاتصالي للسياسيين لم يتغير ولم يتحسن. وعلى سبيل الذكر لا الحصر ، يرى متابعو الشأن السياسي أنه تحت قبة باردو يغيب الحوار الجاد والصريح الذي يتطرق إلى القضايا الحارقة ليسود في المقابل الانفعال والتشنج فيتبادل النواب الشتائم والتهم في خرق واضح للقانون الداخلي للمجلس. و بات تشنج الخطاب السياسي و شد الحبال بين النواب الممثلين للكتل البرلمانية سمة و عنوانا للمشهد النيابي ، اذ اثبت بعض الحوادث في مجلس نواب الشعب مدى نزول بعض السياسيين الى مستوى الشعبوية الذي يصل حد البلطجة السياسية، خاصة أن عدة جلسات عامة بمجلس نواب الشعب شهدت أجواء مشحونة رافقتها خلافات بين أعضاء البرلمان وصلت أحيانا حد تبادل الاتهامات والتلاسن. و يلاحظ مراقبون أنّ ظاهرة العراك بين النواب، وخاصة بين نواب الحزب الحاكم والمعارضة عادة، والذي قد يتطور إلى حد التشابك بالأيدي والتلاسن، يقوم على خلفية تنافسية لخدمة الصالح العام بقدر ما يقوم حول خصومات شخصية أو حسابات حزبية أو فئوية ضيقة أو مسألة لها علاقة بحملة انتخابية سابقة لأوانها . ولعل مداخلة عضو مجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية عمار عمروسية ، على هامش الجلسة العامة التي حضرها رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالبرلمان خير دليل على تدني مستوى الخطاب السياسي في تونس . وكان عمار عمروسية قد انتقد اداء حكومة يوسف الشاهد بأسلوب وصفه مراقبون ب"المبتذل" و"الهابط" ، إذ قال "ذهبت الى الصيدلية واشتريت لكم رضاعات أطفال كما اشتريتموها انتم للمنظمات الوطنية على رأسها منظمة الأعراف واتحاد الشغل واتحاد الصناعة والفلاحة حتى يدعموكم". وتابع عمار عمروسية " تريدون شراء رضاعات الأطفال للشعب التونسي لانكم تعتقدون انه شعب " غير واعي محدود التفكير". واتهم عمروسية رئيس الحكومة بمحاولة بيع المؤسسات العمومية تنفيذا لمطالب صندوق النقد الدولي . كما اتهم عمروسية وزراء الشاهد بالفساد قائلا بان هنالك تحالفا بين البرجوازية العفنة ورجال الحكم محذرا الشاهد " هزو رجليكم على شعب تونس وإلا الشعب باش يهزلك رجليك". ولم يخفت الجدل الذي أثارته مداخلة عمروسية، حتى طفت على الساحة مداخلة النائب عن الكتلة الديمقراطية بمجلس نواب الشعب مبروك الحريزي خلال الجلسة التي انعقدت للتصويت على التمديد في هيئة الحقيقة والكرامة. وقد اعتبر الحريزي انّ هذه الجلسة اعتداء على السلطة فيها خرق للقانون، متهما رئيس مجلس النواب محمد الناصر بتدنيس قرار المكتب وإرادة الشعب وتدليس القانون ما يستوجب محاكمته لأنّه غير جدير برئاسة مجلس نواب الشعب على حدّ تعبيره. وتابع الحريزي "ما قمت به عملية انقلابيّة يجب ان تحاكم عليها بتهمة الخيانة العظمى". وفي ختام مداخلته قال النائب عن الكتلة الديمقراطيّة "لوقف هذه المهزلة الانقلابيّة أنا مستعدّ بكلّ الوسائل … انا داخل المجلس انتحاري لقصفكم". وقد اثارت مداخلة الحريزي جدلا واسعا على الساحة السياسية ، مما دفع محمد الناصر الى الاعلان بأنه سيقع التحقيق معه حول مداخلته.