اتّسمت علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل بالحكومات المتعاقبة منذ قيام الثورة، بالتوتّر إلى حد التصادم في بعض المواقف الحاسمة، وكأنّ كل طرف يودّ إظهار مقدار قوته للطرف الآخر واستباق مجال تحركاته. ولأنّ الاتحاد بات رقما صاعدا فقد بدأ الحديث عن أنه يمكن أن يتحول الى قوة انتخابية قادمة. و تفيد التصريحات النقابية المتواترة والمواقف الرسمية المعلنة من إدارة الشأن العام، أنّ اتحاد شغل يستعدّ للعب دور كبير، في المنافسة السياسية المقبلة، وهو ما أظهرته تصريحات الأمين العام للمنظمة نور الدين الطبوبي الذي أكد أنّ “الاتّحاد لن يُفوت انتخابات بعد الآن.” وتابع قائلا في التجمع النقابي بمناسبة الإضراب العام يوم 22 نوفمبر 2018 : “تهمنا الانتخابات البلدية والرئاسية والتشريعية ومعادش مسلمين في حتى انتخابات”. و يعيد هذا الطرح التساؤل حول مدى تأثير “كتلة الاتحاد” والثقل النقابي لهذه المنظمة في الاستحقاق الانتخابي القادم، خاصّة و أننا نتحدث عن منظمة تجاوز عدد منخرطيها 800 ألف، وفي عدد من القطاعات المهنية تفوق نسبة الانخراط ال95٪، ويملك الاتحاد أكثر من 7 آلاف هيكل نقابي. وهي أرقام تعكس مدى ثقل هذه المنظمة ومدى إمكانية بروزها رقما صاعد في الساحة السياسية . لكن الأرقام لوحدها لا تكفي لقراءة المسألة واستشراف المستقبل وتحديد الوزن السياسي للاتحاد، دون العودة لتجارب نقابيين خاضوا التجربة الانتخابية في السنوات المنصرمة . ويمكن استنتاج وقع هذا التأثير بالعودة إلى النتائج التي حققتها قيادات مركزية، خاضت التجربة الانتخابية على غرار عضو المكتب التنفيذي السابق رضا بوزريبة الذي تم تعيينه مديرا للحملة التشريعية والرئاسية لحزب التحالف الديمقراطي في انتخابات 2014، لكن النتائج لم تكن في صالح الحزب، إذ لم يفز التحالف الديمقراطي إلا بمقعد واحد للنائب المهدي بن غربية عن دائرة بنزرت وقد استقال هذا الأخير من الحزب بعد فترة، لينصهر الحزب في 2017 مع التيار الديمقراطي . وكان بوزريبة نفسه قد حصل على بضع عشرات من ألصوات عندما ترشح عن دائرة تونس 1 في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011. أمّا علي بن رمضان فكان حصاده من الأصوات هزيلا، في الانتخابات التشريعية سنة 2004 في دائرة صفاقس، على رأس قائمة حزب العمل التونسي، رغم أنّه من القيادات التاريخية للاتحاد وكان في وقت ما مرشحا لتولي منصب الأمانة العامة للمنظمة. مؤشر ثان، من الممكن أن يُمثّل مرجعا لقياس مدى ثقل المنظمة سياسيا والمُتمثّل في النتائج التي حققتها الجبهة الشعبية نظرا لارتباطها الوثيق بالمنظمة الشغيلة فكثيرا ما يُصنف الاتحاد وبحسب المحللين كذراع اجتماعي للجبهة الشعبية وامتداد منظماتي لها، و لكن بالعودة للحصيلة الانتخابية التي حققتها الجبهة من السهل ان نلاحظ أن المردود و مدى تأثير المنظمة على الجبهة كان ضعيفا . ففي الانتخابات التشريعية التي نظمت سنة 2014، تحصلت الجبهة الشعبية التي يقودها اليساري حمة الهمامي على 15 مقعدا بنسبة 3.66% أي ب124654 صوتا، رغم أن أكثر من نصف مليون ناخب منخرطين في المنظمة الشغيلة. أما في الانتخابات البلدية لم تحصد الجبهة الشعبية سوى 3.95 بالمائة من الأصوات لتحلّ في المركز الخامس خلف قوى سياسية أخرى وهي حركة النهضة ونداء تونس والتيار الديمقراطي، وهو ما يعكس تدحرج الجبهة رغم استنادها إلى القوة النقابية . فهل تدفع اليوم بعض الأطراف المتحزبة في قيادة اتحاد الشغل إلى الاستثمار في الأزمة الاجتماعية؟ ويشار إلى أنّ الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل محمد علي البوغديري، أكّد في تصريح إذاعي أن الاتحاد معني بالانتخابات القادمة وذلك عبر توجيه الملايين من منخرطيه في الاتجاه الذي يراه يدافع على مصالح الشعب، "بعد أن ضاقت بهم السبل من وعود الأحزاب السياسية الزائفة"، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن ذلك لا يعني بالضرورة الترشّح للاستحقاقات الانتخابية القادمة، قائلا: “الأمر يبقى مرتبطا بقرارات سلطات الاتحاد”. ولا تعدّ هذه المرة الأولى التي يجاهر فيها الاتحاد بالتدخل المباشر في الشأن السياسي حيث دعا من أشهر إلى تحوير وزاري شامل ومن ثمّ إلى الإطاحة بحكومة الشاهد، وهو الموقف الذي تبعه انسحاب المنظمة من الحوار حول وثيقة قرطاج الذي أدارته رئاسة الجمهورية. ويشار إلى أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل كان سنة 2013 في ذروة التوتر السياسي والانقسام في البلاد، قد لعب دورا وسيطا بين الأطراف السياسية ومحايدا في اختياراتها، وهو الموقف الذي استحقت به المنظمة النقابية احتراما كبيرا محليا ودوليا. ويعد التلويح بممارسة السياسة اليوم انتكاسة عن ذلك الدور الذي ضمن الاستقرار في البلاد، كما قد يضرّ المنظمة داخليا باعتبارها تضمّ منتمين إلى مختلف التيارات السياسية يلتقون في الاتحاد العام التونسي للشغل على المطالب الاجتماعية ويتّحدون من أجل تحقيقها.