لا يمرّ يوم دون تسجيل شجار عنيف في وسائل الإعلام السمعي البصري، ما جعل البلاتوهات التلفزية بمثابة حلبة صراع بين شقوق متناقضة، وأدّى إلى وضع غدا فيه الشتم والثلب في المؤسسات الإعلامية أمرا طبيعيا، بل إن إعلاميين مهووسين بالإثارة أصبحوا يستثمرون هذه المشاحنات ويستضيفون لها من يسهل توريطه فيها، وذلك بهدف استمالة أكبر عدد من الجماهير. ومنذ أيام شغلت المواقع الافتراضية الحرب الكلامية التي انطلقت بين مغني الراب “كلاي بيبي جي” والإعلامية بية الزردي، لتشهد المعركة الساخنة أبعادا أخرى وصلت حد رفع القضايا في المحاكم . وكان الصراع بين بية الزردي وفنان الراب تمحورت بالأساس على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في قناة الحوار التونسي حيث رفض كلاي اعتباره زعيما، وأشار إلى أنه وراء التفويت لفرنسا في ثروات البلاد من الملح والحديد الذي بني به برج ايفل في العاصمة باريس. ومن جهتها اتهمت بية الزردي مغني الراب بالشعبوية والاختباء وراء اسم “كلاي” الذي لا علاقة له بتاريخ تونس و بجهله للدور الهام لبورقيبة في بناء الدولة التونسية الحديثة. وتطور الأمر إلى ما بعد الحلقة حيث انخرط الثنائي في معركة افتراضية، وتبادل شتائم حدّ نشر المغني اغنية راب تتضمن الفاظا خادشة للحياء ضد الإعلامية التي قال إنها اتهمته في شرف والديه، لتؤكد بية الزردي إثر ذلك أنها رفعت قضية ضد كلا ي بي بي جي . ومعركة كلاي بي بي جي وبية الزردي هي معركة من بين مئات المعارك التي تعرض يوميا في الوسائل الاعلامية. وبفعل ما يجري تسوييقه في البرامج الإعلامية، تم تكريس الانقسام العنصري والجهوي وحتى الثقافي والفكري، بمنطق ” الضد” بعيدا عن النقاشات الجادّة الهادئة والعميقة. وفي الوقت الذي يؤكد فيه مراقبون أن المضمون الإعلامي الذي بات يعرض في تونس لا يمكن تصنيفه ضمن الإعلام، ذلك أن ما يقدمه الإعلاميين لا يرتقي الى درجة الإعلام بمفهوم السلطة الرابعة، وأنّ درجة العنف المتبادل تحت مسمى حرية التعبير لا يمكن اعتبارها حريّة، ما جعل كثيرين يدعون الهياكل المعنية لمزيد تأطير القطاع السمعي البصري الذي خرج عن سيطرة “الهايكا”.