بعد مجهودات جبّارة قادتها المعارضة التونسيّة وضربات قاسية ومتتابعة وجّهتها للثورة ومعانيها ومضامينها، أصبحت ثورة الشعب التونسيّة شاحبة مكلومة بالكاد تتماسك، وأصبح خصومها في الخارج لا يتوانون في ذمّها وحتى الاستهزاء منها بعد أن شاهدوا ما فعلته بها خميرة المواخير المحليّة، وماذا نترقّب من الأجنبي وخاصّة المناوئ للثورة إذا رأى بأمّ عينيه جحافل من الغرل المنتحلين للصفة الوطنيّة يتسابقون إلى وأدها ويتفاخرون بسبّها ولعن "سبعطاشها وأربعطاشها" وما بينهما من حراك ودماء وأشلاء وشهداء ، ثمّ لماذا لا يخوضون مع من خاض وهم يرقبون دعية فنّ ذابت أنوثتها من فرط استعمالها الماجن في اللامشروع وهي تجرح الثورة بفمها الذي تعاقبت عليه آفات الدهر، انه وبعد الذي أحدثه القوميّة في ثورة تونس تطاول عليها القاصي والداني في الداخل والخارج. إذا استثنينا المعارضة التي قاد اليسار الراديكالي أحد أقذر صفقاتها حين تبادل الادوار المذلة مع التجمّع ، يضرب هذا الشرعيّة الشعبية مقابل تبييض الآخر كيان بن علي وطمس الثورة التي قامت عليه ، الى جانب ذلك فإنّ العديد من الشخصيّات السّياسيّة الأخرى أصبحت تتحاشى ذكر الثورة في الداخل والخارج ، بل وصدرت التوصيات في بعض الأحيان للوزراء والسفراء بعدم الحديث عن الثورة وتمجيدها حتى لا تتمّ إثارة الأصدقاء ، وليست زيارة السّيد مهدي جمعة إلى الخليج عنا ببعيد، فقد التزم بعدم الحديث عن "مصيبة" الثورة التونسيّة وألزم فريقه بذلك ، وأمثلة السّيد جمعة كثيرة اين العديد من المسؤولين وعند استقبالهم للضيوف يعتمدون المثل التونسي "شوف الوجوه وفرّق اللحم" ، إذا كانوا أمام من يعارض الثورة أو من يتجاهلها ، يصبح حذرهم من مفرداتها كالحذر من شحنة 30 ألف فولت. كانت الثورة كطيف جميل يسبح في فضاء الوطن يبسط رداءه على أرضها ويرتع في ربوعها ، ثم كان شهر بعد شهر قام بين الحق والباطل عراك، فتقدّم الباطل وانكمش الحق، ومازالت الثورة تتقهقر وما تبقّى من حرّاسها يجتهدون في حمايتها بما استطاعوا حتى انكمشت إلى الأحياء ومنها إلى الأزقة ومنها إلى البيوت ثم هاهي تنزوي في غرفة النوم يحرسها بعض الأخيار، وجحافل التتار تتهيأ للاقتحام الأخير. نصرالدين