مثل تاريخ مسرح العرائس في تونس ومظاهر نشاطه وشواغله الأساسية محور الكتاب الجديد الصادر عن دار سحر للنشر بعنوان “مسرح العرائس في تونس: من العاب كاركوز إلى العروض الحديثة “وذلك بإمضاء الكاتب وأستاذ المعهد العالي للفن المسرحي محمود المجاري.ويعد هذا الكتاب الصادر باللغة العربية والمتكون من 335 صفحة من الحجم المتوسط مرجعا هاما يؤرخ لمسرح العرائس في تونس ويقدم معطيات أساسية عن كيفية تحوله إلى ممارسة ثقافية موجهة للطفل بالذات ذات حضور بارز في المشهد الثقافي. وقسم المؤلف كتابه إلى أربعة فصول رئيسية هي “من كاركوز إلى العرائس الحديثة” و”مدونة مسرح العرائس التونسية من خلال أعمال المؤسسة العمومية” و”بنية النص في مسرح العرائس وخصوصياته” و”ملامح مؤسسة مسرح العرائس”. ويفسح الجزء الأول من الكتاب المجال للقارئ ليغوص في عالم هذا الفن منذ النشأة الأولى والتي يصعب تحديدها بالتدقيق رغم أن المسرح بمفهومه السائد يعد ظاهرة متوسطية بالأساس خرجت من حيزها الإغريقي الضيق لتنتقل إلى فضاءات ثقافية أرحب. كما يسعى المحور الأول إلى ترسيخ عدة مفاهيم بالاستناد إلى مراجع تاريخية مختلفة ومتنوعة ومن بينها “عالمية العروسة” مشيرا بذلك إلى عدة مسارح عالمية استعملت العرائس من بينها “مسرح خيال الظل العربي” الذي كان قد انتشر في القرن الرابع عشر. وضمن هذا المحور أيضا تطرق الكاتب إلى انطلاقة فن العرائس في تونس معتبرا أنها حديثة العهد ووليدة قرار سياسي تجلى وتبنى هذا التعبير الفني حسب ما حققه في بعض البلدان الأوروبية والشرقية منها بالخصوص وموضحا انه ولئن راجت هذه التسمية حديثا إلا أن جذور هذا الفن تعود إلى عروض العاب “كاركوز” المنتشرة في القرن السابع عشر في شمال إفريقيا والى عرائس إسماعيل باشا التي عرفتها تونس في بداية القرن التاسع عشر. ويشرح المؤلف أيضا أسباب اهتمام الدولة التونسية بمسرح العرائس وتوظيفه في العمل الثقافي مستعرضا مراحل تطوره من خلال عروض بسيطة انطلقت سنة 1977 إلى مهرجانات متنقلة للدمى المتحركة ويتضمن المحور الثاني مدونة مسرح العرائس التونسية من خلال أعمال فرقة مسرح العرائس بتونس هذه المؤسسة العمومية التي أسست لهذا الفن من خلال أعمال مختلفة . وحول مضمون هذه الأعمال أكد المؤلف في الجزء الثالث للكتاب أن القائمين عليها واجهوا عديد المأزق في مسالة بنية النص وخصوصياته ومن بينها مأزق تصنيف هذه النصوص حسب البنية السردية . كما أشار في هذا المحور إلى عدة مواضيع هامة من بينها خصائص الكتابة لمسرح العرائس والبساطة النسبية للنص العرائسي وكيفية تلقي الجمهور لهذا الفن إلى جانب توثيق لمسالة تعاطي وتفاعل الإعلام المكتوب مع عروض الفرقة والمركز . أما الجزء الرابع فقد خصصه المؤلف لمؤسسة مسرح العرائس مستعرضا في هذا الصدد مراحل تأسيسها والمشاكل التي تعوق تقدمها والى أصناف المؤسسات المحترفة في هذا المجال ومن بينها المركز الوطني لفن العرائس مشمولا ته ومهامه . وبذلك يمكن القول بان الأستاذ محمود الماجري زود المكتبة التونسية من جهة والمهتمين بفن العرائس من جهة أخرى بمؤلف هام ذي بعد تاريخي وتوثيقي يستند إلى عدد كبير من المراجع والمصادر الموثوقة.