أدانت إحدى الدوائر الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس خلال الأيام القليلة الماضية أخوين وقضت بسجن الأول مدة عشرين عاما والثاني عشرة أعوام لتورطهما في جريمة قتل نفس بشرية عمدا. الشقيقان في الثلاثينات من العمر استأجرا محلاّ للسكنى بحي شعبي غربي العاصمة وكانا يشتغلان في ميدان النقل والشحن ويستعملان لهذا الغرض شاحنة صغيرة على ملكهما إذ يقضيان كامل اليوم في العمل. وفي مسائه يعودان إلى منزلهما الجديد وتواصل نمط حياتهما بصفة طبيعية إلى حين يوم الواقعة. عاد الشقيقان بعد يوم من العمل إلى حيّهما وعقدا جلسة خمرية تواصلت إلى ساعة متأخرة من الليل ثم توجّها بشاحنتهما إلى أحد الأنهج حيث اعترضهما ثلاثة أشخاص كانوا مارّين من نفس النهج وعندما أراد الشقيقان المرور انتصب الأشخاص الثلاثة حاجزا أمامهما مما اضطرّ أحد الأخوين وهو سائق الشاحنة إلى استعمال المنبه الصوتي فردّ المارون بوابل من الشتم والكلام البذيء عندها نزل الشقيقان من شاحنتهما ونشبت معركة بينهم جميعا حتى تدخّل شاب في العشرينات من العمر متسلّحا بقضيب حديدي وسدّد به ضربة لأحدهما في مستوى ساقه كما أصيب الشقيق الثاني في رأسه واستطاع الأشخاص الثلاثة والشاب الذي لحق بهم من التغلب على الأخوين اللذين كانا في حالة سكر وانسحبوا من المكان. اغتاض المتعدى عليهما فرجعا إلى منزلهما وتسلحا بقضبان حديدية وموسى ثم عادا إلى المكان وحاولا اقتحام منزل الشاب الذي أصابهما إلا أنهما لم يقدرا على ذلك فبقيا يراقبان المكان وهما في حالة انفعال قصوى حتى قدم شخص في الخمسين من العمر تبيّن أنه والد الشاب المعتدي فسأل الشقيقان عن سبب بقائهما أمام منزله دون أن يكون على علم بوقائع ماجرى عندها تقدّم منه أحدهما وأصابه بالقضبان التي تسلّح بها على مستوى رأسه فحاول الأب الفرار نحو باب منزله وسعى إلى طرق الباب طلبا للنجدة إلاّ أنّ الشقيق الأكبر لم يمهله فرصة للنجاة حيث لحق به وسدّد له طعنة قوية من الخلف بالموسى التي جلبها معه فأصيب الكهل ووصلت الطعنة حدّ القلب مما أدى إلى وفاته رغم محاولات إسعافه في أحد المستشفيات. لاذ الشقيقان بالفرار وألقيا بأداة الجريمة في مكان قريب من الطريق السيارة التي تشقّ مدينة خزندار وحاولا الاختفاء إلى أن بلغ خبر الجريمة أعوان الأمن الذين عاينوا المكان وأبلغوا ممثل النيابة العمومية حيث أذن بفتح محضر تحقيقي والقيام بالإجراءات القانونية اللازمة. وقد تمكن المحققون من إلقاء القبض على المشتبه بهما وبجلبهما إلى مركز الأمن والتحرير عليهما اعترفا بكل ما نسب إليهما إذ صرّح الأول أنه أصيب جرّاء المعركة في ساقه وهو ما منعه من مواصلة المشاجرة والانسحاب نحو منزله فيما أفاد المظنون فيه الثاني بأنه استعمل الموسى لطعن أب الشاب الذي اعتدى عليهما لكنه لم يكن يقصد قتله أو ينوي ارتكاب جريمة وإنما قام بذلك للدفاع عن نفسه وبرّر ماصدر عنه بحالة السكر التي كان عليها وبظلمة المكان حيث انعدمت الرؤية. وبعد إنهاء الأبحاث في شأنهما أحيلا على أنظار أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس إذ تمسكا بأقوالهما التي أدليا بها أمام باحث البداية وحاول الأول إنكار مشاركته لأخيه جريمة القتل مكتفيا بالاعتراف بالمشاركة في معركة وسانده الثاني في أقواله إذ أفاد بأن شقيقه أصيب بعد أن اعتدى عليه ابن الهالك مما اضطرّه للانسحاب والتوجّه نحو المنزل وتمسك بأنه طعن الهالك بمفرده دون أن يشاركه في ذلك شقيقه ولكنه أنكر في المقابل أن يكون قد عاد إلى منزله ليتسلّح بموسى وإنما أخذها من الصندوق الخلفي لشاحنته كما تمسك بأنه كان في وضعية دفاع عن النفس. بعد ذلك تمّ التحرير عليهما أصدرت في شأنهما النيابة العمومية بطاقة إيداع بالسجن بعد أن وجّهت لهما تهم قتل نفس بشرية عمدا والمشاركة في ذلك طبق أحكام الفصل 205 من المجلة الجنائية وقد أيدت قرار ختم الأبحاث دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس التي قرّرت إحالتهما على أنظار إحدى الدوائر الجنائية بابتدائية العاصمة. وبمثولهما خلال أحد الأيام القليلة الماضية أمام هيئة المحكمة تمسك المتهمان بما كانا قد صرّحا به لدى قلم التحقيق وتراجعا نسبيا عمّا سجّل عليهما أمام باحث البداية. وقد ساندهما محاميهما الذي طعن في أقوال بعض الشهود في القضية واعتبر أن ما صدر عن منوبيه هو من قبيل الدفاع عن النفس. وقدّم المحامي أيضا طلبا احتياطيا في صورة عدم اقتناع المحكمة بما ذهب إليه في الأصل وذلك باعتبار ما نسب إلى منوبيه غير مستقيم وتكييف الوقائع من جديد حتى يكون ما اقترفه منوباه من قبيل المشاركة في معركة وطلب على أساس ذلك التخفيف في شأنهما قدر الإمكان القانوني. من جهة ثانية تمسك ممثل النيابة العمومية بالمحاكمة طبقا لفصول الإحالة القانونية وللائحة الاتهام لتقرّر في الختام الهيئة القضائية. بعد أن استمعت لكافة أطراف القضية حجزها للمفاوضة والتصريح بالحكم الذي أعلن لاحقا بإدانة المتهمين والقضاء ضدّ الأول بالسجن مدّة عشرين عاما وسجن الثاني مدّة عشرة أعوام لمشاركته الأول الجريمة.