وزير الخارجية الليبي.. لا يوجد أي تواصل رسمي مع الجانب المصري بشأن قافلة الصمود    الجزائر.. قرار قضائي جديد بحق ملكة الجمال وحيدة قروج    أسبوع التكنولوجيا بلندن المشاركة التونسية الأولى ناجحة حسب رئيس «كوناكت»    المتحدث باسم قافلة الصمود.. يومان على اقصى تقدير و نصل الى الحدود المصرية    رحلة الترجي إلى أمريكا ... اللاعبون يؤكدون جاهزيتهم للمونديال والأحباء يُشعلون الأجواء    اليوم نهائي بطولة كرة اليد سيدات .. الافريقي يبحث عن الدوبلي والمكنين من أجل الثأر    سوسة: الاحتفاظ ب6 أشخاص منهم أستاذة في قضية غش في امتحان الباكالوريا    وزارة الشؤون الثقافية تنعى المخرج السينمائي علي العبيدي    معدات حديثة وكفاءات جديدة بمستشفى عبد الرحمان مامي لدعم جودة الخدمات    بهدوء .. انزلوا من السّماء!    نجاح طبي    اُلْمُغَامِرُ اُلصَّغِيرُ وَاُلْأَسَد اُلْأبْيَض    محمد بوحوش يكتب: في ثقافة المقاومة    غفت أمّة يعرب وطالت هجعتها    وزارة المالية.. قائم الدين العمومي يتجاوز 135 مليار دينار نهاية مارس 2025    عاجل: فشل المفاوضات مع ممثلي النقابة الخصوصية للسكك الحديدية    البنك الدولي: توقع إرتفاع النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 2،7 بالمائة سنة 2025    توزر: وكالات الأسفار بالجهة تدعم أسطولها بسيارات جديدة رباعية الدفع استعدادا للموسم السياحي الصيفي ولموسم شتوي واعد    متابعة نشاط حقل 'عشتروت' البحري    عاجل/ بيان رسمي: مصر تحسم الجدل وتكشف موقفها من مرور قافلة الصمود الى اراضيها نحو معبر رفح..    عاجل/ إسرائيل تُطالب مصر بمنع "قافلة الصمود" من المرور    البنك الدولي:الإقتصاد العالمي يتجه نحو تسجيل أضعف أداء له منذ سنة 2008 باستثناء فترات الركود    بداية من الغد: الأطباء الشبّان في إضراب ب5 أيام.. #خبر_عاجل    فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة الأولى من المهرجان الفرنكوفوني للفيلم الوثائقي الرياضي    عاجل/ الإطاحة بمنحرفين روّعا أهالي خزندار    وزير التربية يؤدي زيارة لمركز إصلاح إمتحان الباكالوريا بمعهد بورقيبة النموذجي بتونس 1    عاجل/ هذه الولاية لم تسجّل أيّ حالة غش باستعمال التكنولوجيات الحديثة في البكالوريا    تقديم النسخة الفرنسية من رواية "توجان" لآمنة الرميلي    الإعلان عن قائمة مشاريع الأفلام الوثائقية المختارة ضمن برنامج "Point Doc"    تسجيل رجّة أرضية بقوة 3،2 درجة على سلّم ريشتر بخليج الحمامات    الكرة الطائرة - تونس تنظم بطولة افريقيا للدنيوات (دون 16 سنة)    جندوبة: افتتاح موسم حصاد القمح    سواحل تونس تحت التهديد: معركة الإنقاذ تتسارع ل15% من الشريط الساحلي بحلول 2030!    عاجل: درجات غير مسبوقة... هذا هو اليوم الأشد حرارة عالميًا    لسعة الحريقة في البحر: مخاطرها وكيفية التعامل معها    الملعب التونسي: ثلاثي في طريقه لتعزيز صفوف الفريق    عاجل/ إيران تهدّد بضرب القواعد الأمريكية في المنطقة    نائبة بالبرلمان تنشر فيديو لتجاوزات في شركة اللحوم " لحم متعفن يرش بالصودا ولحم شارف يتحول لمرقاز    عاجل/ وصول أول رحلة عودة من الحج    الحمامات تحتضن المرحلة الأولى من الجولة العالمية لكرة اليد الشاطئية للأكابر والكبريات يومي 13 و14 جوان    عاجل -مونديال 2026: 13 منتخباً يحجزون مقاعدهم... فمن سبق الجميع؟    وزير الشؤون الاجتماعية: تونس تعمل على استكمال إجراءات المصادقة على اتفاقيتي العمل الدولية 155 و129    استعدادا لبطولة العالم (بولونيا 2025) : المنتخب الوطني للأواسط يخوض مباراة ودية ثانية غدا الخميس بالحمامات امام منتخب الاكابر    قبلي: انطلاق الايام التحسيسية حول البرنامج الخصوصي للتاهيل الحرفي في الصناعات التقليدية    ضربة شمس: خطر صيفي يجب الانتباه إليه    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    البرازيل والإكوادور تتأهلان إلى كأس العالم 2026    وزارة الشؤون الثقافية تنعى المخرج التونسي علي العبيدي    الندوة الصحفية لمهرجاني دقّة والجم الدوليين .. الأولوية للعروض التونسية... و«رقّوج» ينطلق من دقّة    "تجاوزت حدودي".. ماسك يعتذر لترامب    انتهاء الدورة الرئيسية لباكالوريا 2025 باختبار اللغة الإنجليزية..وهذا هو موعد الاعلان عن النتائج    عاجل: متحور ''نبياس'' يصل إلى 11% من الإصابات عالميًا... وتونس بلا أي حالة حتى الآن!    طقس اليوم: رياح ضعيفة والحرارة تصل إلى 40 درجة مع ظهور الشهيلي محليا    المنستير: مواطن يذبح خروفه فوق السور الأثري يوم العيد...    تطوير القطاع الصيدلي محور لقاء وزير الصحة بوفد عن عمادة الصيادلة    توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الصحة وعدد من الجمعيات الفاعلة في مجال السيدا والإدمان    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    أولا وأخيرا: عصفور المرزوقي    









كليلة ودمنة القرن الواحد والعشرين: باب المتزلّف المنبوذ
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

«كل تشابه مع أحداث وقعت أو هي بصدد الوقوع هو محض صدفة».
قال الملك للفيلسوف: لقد فهمت مثل الشريف، العفيف، المعتز صاحب الشهامة والهمة والشرف والذمة فأخبرني عن مثل المتزلفين المنسلخين من جلودهم المدعين الراكبين صهوة الآخرين.
قال الفيلسوف: زعموا انه كان ببلد جميل ترامت فيه البساتين والحقول ونبت فيه من الثمار والفواكه والبقول ما يفرج الكرب ويشفي الغليل، سكّانها اكرم ناسا وأشدهم في الحق بأسا، يأنسون بالضيف وينهون عن كل حيْف، يرقّون للمصاب ويسعون في الارض لا يأبهون الصعاب، كلب ضخم الجسم، كثير النهم، عديم الفهم، كثير النباح والصياح لا يرتجى منه صلاح، ناكر الودّ، جاحد العزّ والمجد يحاول من الامور ما لا يشبهه وليس من اهله. في ذات صباح افاق اهل البيت على نبإ شرود الكلب وكان اليوم كثير الضباب حتى لمن كان ابصر من العُقاب. كان ان سمع الكلب عويل الذئاب فاستطالت اذنيه وهزّ رأسه ونفخ صدره وشدقيْه ومدّ جسده كالديك الحبش (Dindon) وقال في نفسه:
مالي وعيش الكلاب، ما ظفرْتُ منها سوى العذاب، حراسة في الليل، والنهار رتابْ، انا اليوم واحد من الذئاب. همّ يقفز متعقّبا اثرها ودنا من السرْب وهو لا يدري انه في ردْب وظل يسير في زهو وخُيلاء كأن من نفخ في زمّارة روحه.
سار القطيع يقودهم ذئب قوي العضلات، عيونهم تتوقّد، اعناقهم تمتد يمنة وشمالا بحثا عن شاة شاردة او طير واردة، يثيرون في كل حركة الغبار وينشرون الرعب فترتعش لوقع خطاهم الاشجار وتختفي لمقدمهم الجرذان والأرانب والغربان. ضاق ذرع الذئاب فاشتدّ عويلهم وتعالى وبلغ صداها البلاد فتهيأ الأهل للصد واستعدوا لذلك بالحزم والجدّ. تفطن الذئاب لصمت الكلب فحفزوه وعاتبوه فخرج صوته نباحا. حينها احاطوا به وكشّروا الأنياب واخرجوا المخالب. تقدّم زعيمهم وعلامات الغيض بادية على وجهه وقال:
ايها الكلب اللعين مالك والذئاب ورفقة الاصحاب، متى كان تآخينا وانت العدو الظالم، منعتنا من المراعي والأغنام والطير والحمام. جمعت محاسن الصفات ولولاك ما ذقنا شظف الحياة. ارتجف الكلب وارتعشت ارجله خوفا من نقمة الذئاب ولوعة العذاب، تسمّر لسانه وعقله قد خانه ثم ما لبث ان نطق وهو يتوجس خوفا: يا سيد الذئاب:
إذا كنت قد أذنبْتُ ذنبا سالفا
في حبكم وأتيت شيئا منكرا
أنا تائب عما جنيتُ وعفوكم
يسع المسيء اذا استغفرا
يا سيّد الذئاب منذ اللحظة تُبت عن الاخلاص والوفاء انا اليوم ذئب وان تخلفتُ عن العواء، سأمكّنكم من بيوتنا والشاة والبعير وكل ما يدبّ ويطير.
سأدلّكم السبل وشتى المسالك والحيل. ستغنمون الشحم واللحم لكم ولأبنائكم واحفادكم، يا سيّد الذئاب لقاء كل ما وعدت اروم من فخامتكم عهد الأمان فهلاّ اشرْتَ، انا رهن الاشارة وانتم أهل الامارة. تمرّغ الكلب وتضرّع وصال الذئب وجال بعد ردّه من الامعان اعطاه عهد الامان وقال: هيا يا كلب الشؤم واللؤم اسيادك الذئاب جياع مللنا كثرة السماع. همّ الجميع والكلب من امامهم ما ان بلغوا مشارف البلاد واندسّوا بين المزارع وقطعوا الازقة والشوارع حتى صاح الكلب مناديا:
يا أهل الديار، يا اسياد يا معشر الاجوار، لا تهابوا الذئاب فهم ابناء عمّي من الفصيلة الكلبية اصحاب مروءة وحميّة اتيت بهم من البرية فهلا اكرمتموهم وبطيب الأكل اطعمتموهم.
ترقب الجميع، ولا همْس لا حراك ثم ماهي الا برهة، وبسرعة الغزال شعّت الفوانيس وضاءت التلال كأنما فتحت ستائر النور فخرجت نجوم الليل تطارده الكلب والذئاب وتقتفي الأثر فمنها من تهاوى واندثر وبعضها لاذ في البراري خائبا حتى استتر. اغتاض سيد الذئاب وخاطب الكلب الكذّاب:
أسلْت اللعاب وضاع دأبنا هباب فكلما وعدتَ سرابا في سراب. اشار سيد الذئاب بأن ينقضوا على الكلب ينهشونه جزاء للصلف ومانابهم من قرف. توسّل الكلب اللئيم والتمس الصفح الحليم مذكّرا سيدهم عهد الامان: يا سيد الذئاب كنتُ في وعدي سليم النية والطوية ولا ابغي البلية. أليس العهد عندكم شرفا لا يدارس فكيف توافقون على هذا الصنيع وانا الرفيق والصديق والكلب الوديع.
سخر سيد الذئاب من هذيان الكلب وقال:
انسيت رواية الذئب الذي تربى بين الشياه منذ الصغر ولما كبر واشتدت انيابه ومخالبه انقضّ على احداها. اتجاهلت حقيقتنا فنحن جُبلْنا على الغدر وعلى اكل الجيفة وانت عرضتَ نفسك لنا وانت عالم بأننا نجس لا يستمرّ لنا رأي ولا يستقيم لنا امر ولا نهي. توسّمت فينا الوفاء وظننتَ اننا من بني جلدتك لكن خانك نباحك وما جنينا منه غير الرجاء.
لقد خنتَ الامانة مرتين وأردت تقليدنا في خيلائنا وتمثّل لك انك صرت منّا وما كان ذلك سوى وهم وظنّ.
قال الفيلسوف للملك: هذا جزاء كل من باع العهود وصار للخصم ودودا، فخيْرنا من صان عرضه وعزّ ارضه اما من خاب وانطوى يبغي السراب وصاحب الأوغاد والذئاب فمصيره الويل والعذاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.