حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي سمعنا ونحن صغار، أن الوزير أحمد بن صالح كان وهو على رأس وزارة الصحّة يقوم بزيارات فجئية الى المستشفيات.. وأكثر من طبيب او ممرض او تقني في المجال الطبي، عايش تلك الفترة (1957 1959) يستذكر ويقول، ان بن صالح ومن شدّة تكرّر الزيارات التنكرية التي يجوب وفقها المستشفيات كان يلقّب ب «هارون الرشيد» على اعتبار ان أخبار دولة الرشيد كانت ترشح بزيارات فجئية يتنكّر فيها «هارون الرشيد» ليقف على هنّات المجتمع... وعلى الخروقات التي يقوم بها من ائتمنوا على أمر الناس.. يقول «سي أحمد» بن صالح بعد ان سألته عن قصص الزيارات الفجئية، الى المراكز الصحية والمستشفيات «كنت أتفقد المستشفيات ليلا، وأتفقد ان كان هناك فساد او خروقات.. الشيء الذي جعل المستشفيات تسير باتجاه صحيح، هي مثل تلك الزيارات... وكان الذي «نقبض» عليه (اي نجده) في غلطة يرتكبها، مهما كانت فإنه يحال على مجلس التأديب بحيث يكون أقسى العقاب في انتظاره وأقصد ان يعلّق اسمه في جميع المستشفيات.. وجميع المستوصفات، وهو أشدّ عقاب.. هذه جزئيات وتفاصيل تبدو مضحكة، ومنها أن الأعوان في المستشفيات، ولما بدؤوا يعرفون طريقة عملي، في هذه الزيارات فإن عون موزّع الهاتف Le standardiste وما إن يراني ألج المستشفى او المركز الصحي حتى يعلم الجميع بالهاتف فيتحسّب من يعنيه الامر ولما تفطنت الى هذا الفعل، خامرتني فكرة وطبّقتها: أخذ آلة الموزّع الهاتفي Le Standard بيدي وأتوجه الى الأقسام بطريقة مفاجئة للجميع ودون ان أدع لهم الفرصة لكي يعلموا بعضهم البعض، بأن الوزير هنا.. كنت أتنكّر وأقصد المستشفيات.. وبهذه الطريقة، انكبّ الجميع على العمل والعمل الجاد.. صحيح، ان هناك من قال هذه الزيارات التي أؤديها متنكرا، هي على شاكلة هارون الرشيد.. ولقد دامت هذه «الحملة» ثلاثة أشهر وبعدها تنظّمت الأمور... كان حسين الكناني هو رئيس جامعة الصحة في الاتحاد العام التونسي للشغل وكنت أحيل اليه اسماء المتجاوزين، لتشهر لمدة ستة أشهر..». ولكن هل تقصّ علينا قصّة مثلما حدث لك مع موزّع الهاتف؟ عن هذا السؤال يقول «سي أحمد»: «أذكر انه وفي المستشفى الصادقي (عزيزة عثمانة اليوم) كنت في مرة قررت التوجّه نحو الثلاجات التي تحفظ فيها اللحوم والمواد الغذائية، الصالحة لطبخ أكل نزلاء المستشفى، وكانت الثلاجات في المطبخ، مطبخ المستشفى، وقد وقفت على بعض التجاوزات ووقعت معاقبة مرتكبيها بنفس الطريقة التي ذكرتها آنفا: مجلس تأديب يليه إشهار لاسم المرتكب للخطإ في كل المؤسسات الاستشفائية..» وأضاف صاحب هذه المذكّرات: «لا تقتصر زياراتي (كوزير للصحة دائما) الى المستشفيات على فترة الليل، التي عادة ما تكثر فيها التجاوزات، بل كنت كثيرا ما أتجه إليها نهارا.. مرات، كنت أقصد مستشفى شارل نيكول وقت الغداء وأراقب وأقف على ما يمكن ان يدخل في مجال التجاوزات.. كنت أقوم بالردع وليس القمع.. مرة كنت ألبس نعلين، لا يمكن لأحد ان يسمع خطاي.. واقتفيت أثر عون يقدّم الأكل الى الأطفال المرضى، في قسم خاص «بشارل نيكول». وقد وقعت محاسبة العون على الخطإ الذي ارتكبه في حق أكل الأطفال المرضى، وكنت قد أصلحت الأمر وطلبت من حسين الكناني في الاتحاد (جامعة الصحة) أن يعاقب العون من جهته، بأن يبعده في عمله عن الأكل والمطبخ..». فإلى الحلقة القادمة من المذكّرات التي تكشف تفاصيل عن الصحة في حكومة الجمهورية..