يتردد في الساحة الفلسطينية هذه الايام حديث عن أكثر من سيناريو لخلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حال شغور المنصب وفي حال تمسك عباس بعدم ترشيح نفسه مجدّدا للرئاسة. والأرجح بحسب التكهنات أن يعلن الاسير مروان البرغوثي ترشحه عن حركة «فتح» أو ناصر القدوة المندوب الفلسطيني السابق لدى الأممالمتحدة، لكن المفاجأة التي من المحتمل ان تحدث هو ان يعلن محمد دحلان قائد جهاز الأمن الوقائي السابق ترشحه ايضا وقد سبق للرجل ان أعرب لمقربين منه عن رغبته تولي منصب رئاسة السلطة بوصفه على حد قوله الاقدر على ادارة ملف الصراع مع «حماس» ومع اسرائيل. وترى أوساط سياسية أن المنافسة قد تنحصر بين شخصيتين من حركة «فتح»: مروان البرغوثي ومحمد دحلان، فالأول يمتلك رصيدا شعبيا هائلا والثاني يحظى بالقبول الغربي والاسرائيلي وله علاقات جيدة في الخارج، كما أنه تمكن بحسب مصادر فلسطينية غير رسمية من تكوين قوّة مسلحة كبيرة وله عيون وأياد في أجهزة الأمن الخاضعة لرئاسة السلطة. وإن كان من السابق لأوانه الحديث عن مرشح بعينه عن حركة «فتح» لخلافة عباس على اعتبار أن الأخير قد يعدل عن موقفه السابق، الا أن كل الاحتمالات تبقى مطروحة. ميزان القوى شعبيا يميل الى مروان البرغوثي لكن ثبت بالتجربة ان الثقل الشعبي وحده لا يكفي في الساحة الفلسطينية، فحماس على سبيل المثال حصلت على غالبية الأصوات في الانتخابات ولكن الأمور صارت على عكس المتوقع، وأصبحت على الاقل بمنظور رئاسة السلطةوحركة فتح واسرائيل والدول الكبرى عقبة أمام السلام واختلطت الأوراق منذ وصولها الى السلطة. قبل سنوات وحين كان عرفات رئيسا للسلطة قيل ان محمد دحلان رجل «فتح» القوي كان يعدّ نفسه لخلافة الختيار (عرفات) ولكنه اصطدم بشعبية الرجل ورمزيته وأدرك أن اقصاء عرفات صعب الا بطريقة واحدة وهي أن يغيب أبو عمار عن الساحة نهائيا. وأشارت تقارير عقب وفاة عرفات الى تورط دحلان في تصفيته. ويعتقد أيضا أن دحلان ذاته وراء اقصاء مروان البرغوثي من الساحة السياسية بتسهيل عملية اعتقاله، وعلى اعتبار أنه أقوى شخصيات فتح وأكثرها شعبية بعد ياسر عرفات. فوارق ومع أن البرغوثي ودحلان من نفس الحركة، إلا أن ثمة فوارق كبيرة بينهما، فالأول له أجندة تفاوضية تقصي المقاومة، تهادن المحتل وتقبل بالرؤية الاسرائيلية للسلام. والثاني يقدم المقاومة على المفاوضات بوصفها السند الداعم للعمل السياسي وليس العكس فعمل على تقوية شوكة التحرك الشعبي مراهنا على قدرة الشعب الفلسطيني على نيل حقوقه طال الزمن او قصر. لم يلغ مروان البرغوثي المعروف بمهندس الانتفاضتين، العمل السياسي، ولكنه يراه بلا قيمة طالما لا توجد بدائل أخرى له أو قوّة تسنده. يعرف مروان البرغوثي في الأوساط الدولية والفلسطينية بصاحب اليد النظيفة، إذ لا توجد حوله شبهات وكان رمزا من رموز مقاومة الفساد داخل حركة «فتح» والسلطة،لم يكن يطمح لمنصب بقدر طموحه ورغبته في العلم الوطني على أسس التحرر من الاحتلال. سطح نجمه مع اندلاع الانتفاضة الاولى (1987) وارتفعت أسهمه الشعبية مع اندلاع انتفاضة الاقصى لينتهي به المطاف في سجون الاحتلال (في 15 أفريل 2002) بعد مسيرة نضالية استثنائية امتدت لما يزيد عن ثلاثين عاما. حين تم اعتقاله قال عنه رئيس الوزراء الصهيوني السابق ارييل شارون: «يؤسفني إلقاء القبض عليه حيّا كنت أتمنى ان يكون رمادا في جرّة»، وقال عنه قادة الجيش لحظة أسره: «لقد وقعت السمكة الثمينة في الشباك». كان البرغوثي مقربا جدا من الراحل ياسر عرفات ومن أخلص الناس إليه، وخبر عرفات ذاته في البرغوثي قدرة على التأثير والتزام ومثابرة وطنية استثنائيين. ومع أنه كان يتمتع بكل المؤهلات لتولي أعلى المناصب بما فيها رئاسة السلطة، كان البرغوثي ميالا لما هو أقل رتبة ولكنه أكثر تأثيرا: أرى صفوف الجماهير. وقد رشحته صحيفة «الغارديان» البريطانية أمس لخلافة عباس. شبهات على خلاف البرغوثي تدور أكثر من شبهة حول محمد دحلان، فالرجل متهم بالتورط في اغتيال عرفات،وتأخذ عليه القيادات الفلسطينية، وبعضها من «فتح» انسجامه مع طروحات الكيان الصهيوني ومع الاجندة الامريكية في الشرق الأوسط. وتتهمه فصائل المقاومة بتصفية عدد من نشطائها وبالتخابر مع المحتل، وبالفساد المالي، وثمة من ذهب الى القول بأنه مهندس أحداث غزّة الدموية بعد فوز حماس في الانتخابات. كما يتردد في الساحة الفلسطينية أنه منفذ خطة الجنرال الامريكي دايتون والقائمة على بناء أجهزة امنية لضرب المقاومةوحماية اسرائيل. اختفى منذ فترة عن الساحة وعاد إليها مجددا بحملة على «حماس» وعلى المشككين في نزاهته ووطنيته ولم يسلم رئيس السلطة الحالية من انتقاداته. ونقل عن مقربين منه قولهم إنه وصف عباس بالرجل الضعيف وشكك في كفاءته وقدرته على إدارة الوضع داخليا وخارجيا.