حب الوطن إيمان صادق وعقيدة راسخة.. وشعاعه يملأ ما بين الأرض والسماء.. فهو شريعة ديانية وسنّة محمدية.. فالوطن كتاب مقدس من أجله نضحي ولأجله تتعب أفرادا وجماعات.. وبما أن لكل دور يؤديه من خلال موقعه وحسب الجهد المتوفر لديه... فإن لأهل الفن حضورا بارزا في باحة الحب الكبير لهذا الوطن الجليل.. تجند الشعراء.. وشحذت همم الملحنين وطفقت أرواح الفنانين تصنع الفرح هنا وهناك في كل مناسبة يحياها وطننا الحبيب.. لكن تعددت مناسباتنا ليغيب عنها أهل الابداع من شعراء وملحنين وفنانين.. غابوا عن الوطن والتغني به وتعداد محاسنه ومآثره فانساقوا نحو بلاط مايا نصري وروبي.. سلكوا طريق الأغاني الهابطة والركيكة.. باعتبارها الوسيلة الوحيدة لصنع شهرتهم. وفي المقابل تراهم يتبجحون بحبهم وتفانيهم واخلاصهم للوطن العزيز وهم الذين لم يسعوا إلى تقديم أغنية واحدة في كل مناسبة هدية منهم لهذه الأرض الطيبة المعطاء.. لتونس التي هي أم الجميع.. وإن قدموا وأهدوا فمعنى ذلك شريط أو اسطوانة قديمة ظلت المحطات الاذاعية والتلفزيون تتسلح بها كلما نضبت عروس تونس بحناء جديدة واردت ملاءة زركشت أطرافها بكم هائل من الانجازات العملاقة التي ستبقي تروي صيرورة مجد البلاد والعباد على مرّ الزمان.. فهل بقيت قريحة الشعراء.. وأفلس الملحنون، وانعدم الاجتهاد لدى أهل الغناء عندنا؟.. هذا ما يمكن استنتاجه ونحن نقلب صفحات تاريخ الأغنية الوطنية من عهد الراحلة علية وزميلتها فتحية خيري.. إلى جيل المتنطعين في الساحة الفنية وما أكثرهم الذين اختاروا الأغاني الركيكة لاثبات جدارتهم الفنية واحتلال موقع على مدارج الابداع ان وجد.. على حساب جمالية الكلمة وروعة اللحن وحسن الأداء.. فماذا قدم فنانونا للوطن من أغان تحفظها لهم الذاكرة؟ لا شيء سوى فتافيت قليلة.. وظلت نفس الحكاية ونفس الصورة تمررها التلفزة لمشاهديها في كل مناسبة وطنية عزيزة علينا وأعزّ من الروح فينا. وبقيت الاذاعات والتلفزة تبث هذه الخوارق الابداعية «البايتة»، وإن كان لا يغلى على الوطن شيء.. مرت وتمر المناسبات.. والسيناريو هو نفسه.. احنا الجود.. واكتب اسمك.. وما بقي من أثر صوفية صادق ولطيفة العرفاوي. وأين هم شعراء الأغنية وفرسانها، الذين كنا نستمع إلى ابداعاتهم الوطنية؟ عشرات الشعراء وكتاب القصيد في بلادنا ولا أحد فكر وتفكر في تضاريس بلاده وسهولها.. لا أحد رسم معالمها الأثرية والتاريخية.. لا أحد التقط من أنفاس شواطئنا الجميلة صورة أخرى.. لا أحد عدّد انجازات الوطن بدءا بالساقية الشهيدة وصولا الى قصور تطاوين وجبال الشعانبي وطرزة.. واشكل.. ولا أحد فكر وقدّر.. وهنا من واجب وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بمختلف هياكلها التدخل بإعادة الاعتبار إلى الأغنية الوطنية عبر إحداث مسابقة رسمية لها كأيام قرطاج الموسيقية تنطلق من الجهات بدلا من أن تظل تبحث عن دعم للأغاني الهابطة والمسروقة التي أحالت شبابنا نحو هاوية الافلاس الدمثي والخواء الروحي.. فالذي قدم مبتورا ولم يأت على أفضل انجازات الوطن وما أكثرها. فالبون شاسع بين حدائق الوطن القبلي الغناء.. ومزارع الشمال الغربي الخضراء وبين نانسي وأليسا وايلين وأسماء لامعة أخرى في دنيا الفساد الأخلاقي، اللواتي تجرأت قناتنا التلفزية الميمونة ببث كليباتهن.. وهن شبه عاريات في بيوت الاستحمام وفراش النوم الحريري وقصة نانسي عجرم في أحد النزل بالحمامات يخجل القلم عن ذكرها.. كفانا تفاهات وفكروا في تونس الاستقلال.. تونس الشباب.. تونس الجلاء.. تونس الجمهورية.. وتونس السابع من نوفمبر واجتهدوا في تقديم الجديد من الأغاني التي تبرز محاسن هذه الرقعة الفائحة.