غيّب الموت صباح أمس الأثنين عن سن تناهز الخامسة والسبعين عاما الدكتور محمد عابد الجابري الذي يعدّ واحدا من كبار المفكّرين العرب إذ قدّم للمكتبة العربية مجموعة كبيرة من المؤلفات في تجديد الفكر العربي ونقد بنية العقل العربي وهو المشروع الكبير الذي خصّص له الرّاحل الجزء الأهم من حياته . المسيرة العلمية والفكرية للدكتور محمد عابد الجابري كانت محل تقدير من سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الذي أنعم عليه بالجائزة المغاربية للآداب في اليوم الوطني للثقافة سنة 2002. ودرس الراحل في قرية بفكيك ثم واصل تعليمه في الدارالبيضاء، وفيها حاز على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة عام 1967 ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، التي عمل بها أستاذا للفلسفة والفكر العربي والإسلامي.. وكان الرّاحل سنة 1958 انتقل إلى دمشق ليحصل على الإجازة في الفلسفة، بعد أن حصل على البكالوريا كمرشح حر ولم يتم دراسته الجامعية، وبعد ذلك عاد الى المغرب ليواصل تعليمه وفي سنة 1967 حاز على شهادة الماجستير . بعد مناقشة رسالته «منهجية الكتابات التاريخية المغربية»، ومن خلالها بدأت علاقته العميقة مع عبد الرحمان بن خلدون وعنه قدّم بحثه لنيل شهادة الدكتوراه عام 1971، و كانت أطروحته بعنوان «العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي». إنتمى الفقيد الدكتور محمد عابد الجابري للتيارات الوطنية منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، إذ كان قياديا بارزا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وشغل طيلة سنوات عضوية مكتبه السياسي. وبالتوازي مع اهتماماته السياسية والأكاديمية كان الراحل غزير العطاء ومن أشهر مؤلفاته «نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي» (1980)، «العصبية والدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي» (1971)، و(نقد العقل العربي) الذي صدر في ثلاثة أجزاء هي (تكوين العقل العربي) و(بنية العقل العربي) و(العقل السياسي العربي). كما أصدر «مدخل إلى فلسفة العلوم : العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي» (1982) و«معرفة القرآن الحكيم أو التفسير الواضح حسب أسباب النزول» في ثلاثة أجزاء، و«مدخل إلى القرآن الكريم». «أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب» ومن مؤلفاته أيضا «من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية» (1977)، و «المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي» (1982)، و«إشكاليات الفكر العربي المعاصر» (1986)، و«وحدة المغرب العربي» (1987)، و«التراث والحداثة: دراسات ومناقشات» (1991)، و«الخطاب العربي المعاصر» (1994)، و«وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر» (1992)، و«المسألة الثقافية» (1994) و«الديمقراطية وحقوق الإنسان» (1994)، و«مسألة الهوية: العروبة والإسلام والغرب» (1995)، و«المثقفون في الحضارة العربية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد» (1995)، و«الدين والدولة وتطبيق الشريعة» (1996)، و«المشروع النهضوي العربي: مراجعة نقدية» (1996). ورغم تعدّد مؤلفاته إلا أن مشروعه الأساسي كان تفكيك العقل العربي ونقد مسلماته النظرية والعملية وقد إستطاع الدكتور محمد عابد الجابري الى بناء نظرية فلسفية عربية تقوم على نقد الثقافة العربية في بنيتها الأولى ونقد العقل الذي شكّلها كان من الطبيعي الى أن يكون له أنصار ومريدين من الباحثين الذين طوّروا مشروعه وواصلوا إثراؤه . وبوفاة الدكتور محمد عابد الجابري صاحب مجلة «نقد وفكر» تفقد الثقافة العربية واحدا من فرسانها الكبار الذين سعوا الى تأسيس نظرية عربية في التفكير العقلاني تتواصل مع المنجز العربي . رحم الله محمد عابد الجابري الذي كان من الشخصيات العربية التي تحظى بتقدير دولي كبير في المنظمات الأممية مثل اليونسكو.