إعداد الخميلي الهمامي والحماني سنّة الحياة تفرض التداول وفق منطق دوام الحال من المحال لكن هذا المنطق يختفي عندنا إذا ما تحدثنا عن إمساك بعض رؤساء النوادي بدواليب التسيير وعشقهم الكراسي المريحة حيث يصبح تبديلهم ضربا من المحال وحتى سيزيف وجهده الجهيد قد لا يملك تلك الارادة على هذا الفعل.. نتحدث في هذا الموضوع مع نهاية الموسم واقتراب المدة النيابية لبعض الرؤساء من آجالها القانونية بما يفرض تغييرا يطيح ببعض الأسماء ويفرز في ذات الوقت وجوها جديدة ولكن من يقبل هذا في تونس في الوقت الذي يصور فيه بعض «الرؤساء» أنفسهم على شاكلة قيصر يسيّر دواليب امبراطوريته في ما يسمى مجاله الحيوي بما لا يقبل المناقشة وهنا برزت بعض المصطلحات من قبل «الأب الروحي» و«الرئيس الأبدي» وما شابه تلك العبارات التي رسخت منطق الرئيس الأوحد والاتجاه الواحد وبات تاريخ فريق كبير يختزل في شخص واحد أو مسؤول واحد.. الأمر ينطبق على كثير من الأمثلة عندنا في تونس وقد يتجاوز الرياضة لينفتح على ثقافة موروثة وتركيبة اجتماعية لا تقبل «المجازفة» بتغيير رئيس الفريق على خلفية اعتقاد سائد أن الطوفان سيجتاح هذا النادي ويعصف بأركانه وهذا نتيجة لسياسة ناجحة يتّبعها الرئيس على امتداد فترة رئاسته حيث يعمل على بثّ الدعاية وتضخيم صورته وتلميعها وفق استراتيجية اتصالية، تواصلية مع محيطه القريب والبعيد تعطيه بعدا آخر في عيون الجماهير وهنا يلعب على العواطف والمشاعر من خلال الحديث عن تضحيات جسام من أجل نجاح النادي ماديا ومعنويا وحتى عائليا وما شابه هذا القاموس الذي تعودنا به ثم يطلق دعاية على شكل حرب استباقية مفادها أنه سيستقيل ليقيس مدى نجاحه في استقطاب الجمهور من حوله وحسب هذه الطريقة يضمن لنفسه رئاسة النادي على المدى الطويل وفي ذهن الجمهور أنه يصعب إيجاد البديل.. وحتى سانتياغو بيرنابو، أطول رئيس في تاريخ ريال مدريد، الذي سمّي ملعب النادي الملكي باسمه، لم يبق حاضرا في ذهن جماهير النادي الملكي في شكل نموذج ممنوع من اللمس لأن أموال «فلورينتينو بيراز» غيّرت قواعد اللعبة.. أما عندنا فالعقلية مازالت متشبثة بتلك الأوهام الصورية وجاءنا الدليل مؤخرا من انتخابات المكتب الجامعي فبالرغم من وجود متنافسين فإن الفوز الساحق للحفصي أثبت المؤشر في أعلى درجاته أننا نعشق الأسماء والشخصنة.. «الشروق» فتحت الملف، وتحدثت الى بعض الأسماء التي تفقه في مجال التسيير الرياضي للبحث عن إجابة على الأسئلة التالية: لماذا انتشرت ثقافة «أنا وبعدي الطوفان» في أذهان رؤساء النوادي؟ ومن دعّمها؟ وهل صحيح أنه يصعّب مستقبلا إيجاد مسؤول قادر على تسيير ناد بالشكل المطلوب وبالنظر الى مستلزماته؟ ومتى تتغيّر هذه العقلية لأجل مصلحة كرة القدم التونسية؟ محمد الهمامي كمال الغنوشي (رئيس حالي للملعب السوسي): لم ألهث وراء المسؤولية... أرأس الملعب السوسي ولمدة طويلة تجاوزت (25) سنة تقريبا حيث أنني ومنذ سنة 1985 وأنا على رأس الملعب السوسي فضلا عن تحملي لمسؤوليات أخرى في الجمعية أعتبرها أمانة في عنقي تركها لي المرحوم مصطفى عمارة وأيضا السيد الحبيب عمار وغيرهما ولذلك فأنا وفي كل مرة أريد فيها الانسحاب إلا وطلبت مني مجموعة من المؤثرين في الجمعية البقاء لمدة سنة أخرى لتكون نيابة وراء نيابة أخرى وهكذا.. وهو ما يعني أنني لم ألهث وراء رئاسة الجمعية ولا أحرص إلا على إعادة الاعتبار لهذه الجمعية العريقة التي تستحق المساندة والالتفاف حولها بما يعيد لها الاشعاع بالشكل الكبير..». محمد عشاب: «الرئيس» محبّ أولا وأخيرا أولا أعتبر فكرة «أنا وبعدي الطوفان» كانت مغروسة في الفكر السياسي بصفة خاصة وهي فكرة لا أعتقد أنها منطقية ولا تخضع للمنظومة الرياضية بالمرة باعتبار أن هذه المنظومة تضامنية وتربط الأجيال على كل المستويات كما تربط الماضي بالحاضر والحاضر بالمستقبل.. كما أعتقد أن المسؤول الذي يستحقّ صفة المسؤول وخلال عمله لمسؤوليته عليه حماية ماضي الجمعية والحفاظ على حاضرها وتطويره والتمهيد لسبل نجاحات المستقبل وبنائه بأكثر عمق وتبصّر.. خاصة أن هذا المسؤول الذي هو رئيس الجمعية والحفاظ على حاضرها وتطويره والتمهيد لسبل نجاحات المستقبل وبنائه بأكثر عمق وتبصّر.. خاصة أن هذا المسؤول الذي هو رئيس الجمعية ليس إلا محبّا سواء كان موجودا ومتحملا للمسؤولية أو خارج دائرة التسيير وسواء كان قبل رئاسته للجمعية أو بعدها.. وبالتالي فإن الجمعية تبقى تعنيه دائما باعتبارها بمثابة أسرته.. وهذه هي فكرتي وهذا هو التمشي الذي اخترته وسأظل أدافع عنه.. وعندها لا أؤمن بفكرة «أنا وبعدي الطوفان» بقدر ما أؤمن بالعمل الهيكلي السليم والشروط الحضارية التي تؤهل هذا الطرف لتحمل المسؤولية في هذه الفترة أو تلك وحسب ما تقتضيه المرحلة. زياد التلمساني: منظومة خاطئة في غياب الهيكلية الواضحة المعالم حول رئاسة الجمعية.. فإن رئيس الجمعية هو الشخص الواحد الأوحد الذي يبقى مسيطرا على كل شيء.. وعند خروجه قد تتغير المعطيات إيجابا.. وقد تتغير أيضا سلبا وهو ما يعني أن المنظومة خاطئة طالما أن الادارة أو الاطار الاداري في الجمعية غير خاضع لمنظومة مستقلة وتعمل بشكل علمي بعيدا عن الأشخاص باعتبار أن الأشخاص يتغيرون والادارة تبقى وبالأحرى الجمعية تبقى وستظل وأمام هذا وذاك لا بد من الابتعاد عن الشخصنة وفكرة الايهام أن هذا الشخص أو لا أحد.. وبعده الطوفان.. ولا بد من تنظيم القطاع بداية من مثل هذه المحاور الهامة والجوهرية والجادة..». لطفي الكافي (رئيس سابق للاولمبي الباجي): بعض الرؤساء يعشقون الكراسي للأسف هذه الظاهرة موجودة في الكرة التونسية وهي من أبرز أسباب المشاكل التي نعاني منها في الوقت الحالي فهناك بعض رؤساء النوادي الذين يعشقون الكراسي ويحاولون البقاء خدمة لمصالحهم الشخصية وتلميع صورتهم وترى الرئيس يهتم بالظهور في وسائل الإعلام اكثر من اهتمامه بفريقه وحتى من خلال التسيير داخل الفريق فهناك اختلال على مستوى التعامل حيث نلاحظ تبجيلا مطلقا للفريق الاول وإهمالا كبيرا للشبان والسبب تدهور الفريق بعد سنوات قليلة لأن العناية بالأكابر تخدم مصلحة الرئيس اكثر من العناية بالشبان من جهة أخرى تغيب عن بعض الرؤساء ثقافة محاسبة النفس ومراجعة الأخطاء... في اعتقادي ان الاستمرارية مهمة على مستوى الإشراف والتسيير ولكن لا يجب ان ترتقي الى مستوى التشبث او الدغمائية ورفض الرأي المخالف لذلك يجب على الفاشلين التفكير في مصلحة النادي. أما الناجحون فسوف يفرضون أنفسهم على الجميع مثلما هو الحال مع مختار النفزي الرئيس الحالي للفريق الذي حقق الى الآن مسيرة ناجحة. معاوية الكعبي (رئيس سابق بنادي حمام الانف): نعم، من الصعب تعويض بعض الرؤساء.. «أعتقد انه من الضروري الجمع بين الاستمرارية الفنية والإدارية في الوقت نفسه اذ ان رئيس الفريق عندما يحظى بثقة لفترة زمنية محترمة تتجاوز الفترة النيابية الواحدة اي اكثر من موسمين يصبح قادرا اكثر على ضمان المصادر التمويلية داخل الفريق وهو ما ينطبق تماما على الرئيس الحالي للنادي الرياضي بحمام الانف مثلا إذ أنه خلال موسمين فحسب وبكل صراحة حقق النجاح المنتظر اذ لابدّ من توفّر جملة من العناصر المشجعة خاصة منها المصادر التمويلية وأيضا توفّر التجهيزات الضرورية ويبقى لدور الشخص شأن مهم في الفريق لذلك لا أنكر انه قد يكون من الصعب تعويض بعض رؤساء الأندية في بعض الأوقات بل ان بعض الشخصيات قد تتردد ألف مرة قبل تسلّم مثل هذه المهمات الصعبة... وشخصيا أعتبر رئيس نادي حمام الانف من الأشخاص الذين قاموا بخدمات جليلة في صلب الفريق وقد يكون من الصعب تعويضه». أحمد القروي (رئيس سابق بالنادي البنزرتي): يتغيّر المسؤولون ويبقى الفريق «لا يوجد فريق واحد يمكن ان تتوقف مسيرته ومساره التاريخي علىوجود رئيس جمعية محدد فالنادي البنزرتي مثلا شهد العديد من الرؤساء طيلة مسيرته التاريخية الحافلة والمؤكد ان من يتحدث عن الفريق لابدّ أن يذكر اسم الرئيس السابق محمد بالحاج الذي ترك بصمات واضحة في صلب الفريق ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تتوقف عجلة التاريخ عن الدوران بمجرد مغادرة او وجود اي رئيس فريق وكل شخص يتولى هذه المسؤولية يحاول العمل قدر المستطاع ويجتهد أيضا حسب الخبرة المتوفّرة بحوزته ولكن لا ننسى الظروف التي تحيط بالفريق عموما لأنها تبقى دائما من العوامل المساهمة في النجاح».