انتظمت بمعتمدية جبنيانة في نهاية الأسبوع الفارط فعاليات الملتقى الصحي الثاني الذي دأبت على تنظيمه سنويا لجنة التكوين المستمر للدائرة الصحية المشرفة على معتمديات جبنيانة العامرة الحنشة بالتعاون مع كلية الطب بصفاقس. لجنة التنظيم برئاسة الدكتور نور الدين بن عبد الله وبمساعدة الدكتورة امال الطاهري بذلت مجهودات إضافية هذه السنة حتى يكون الملتقى استثنائيا وفعلا كان التنظيم محكما. ويهدف هذا الملتقى إلى مزيد تكوين وتأطير الإطارات الطبية بهذه المعتمديات وترشيدهم من أجل حسن التعامل مع الاكتشافات الطبية الحديثة والاطلاع على آخر المستجدات في الميدان الصحي والتحاور في مختلف البحوث المتداولة على الساحة العالمية. لذلك كان الحضور كثيفا وغصت قاعات الملتقى بأكثر من 200 إطار طبي وشبه طبي من أساتذة جامعيين ودكاترة وأطباء... حيث دارت فعاليات هذا الملتقى في أجواء متميزة وسجلنا ارتياحا كبيرا لدى الحاضرين. البرنامج كان متنوعا والفقرات عديدة إذ تم التطرق إلى عدة محاور هامة أبرزها المحور الذي أشرف على تقديمه الدكتور منير بن جماعة رئيس قسم الأمراض السارية بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر بصفاقس حيث تطرق إلى كيفية ترشيد استعمال أدوية المضادات الحيوية من طرف الأطباء خاصة الأطباء الخواص إلى جانب تثقيف المواطنين وتوعيتهم بخطورة الاستعمال المكثف للمضادات الحيوية على حياة الإنسان في المدى البعيد وجاءت أهم الاستنتاجات أن كمية المضادات الحيوية التي يستعملها التونسي سنويا تبدو مرتفعة جدا مقارنة بما هوعليه بالدول المتقدمة. وأبرز المحاضر أن هذه المضادات وإن كانت تساهم في سرعة شفاء المريض إلا أنها بالمقابل تؤثر سلبيا على صحته في المستقبل حيث تضعف من قدرة جسده على اكتساب المناعة وأكد على ضرورة التريث عند استعمال هذا النوع من الدواء وعدم اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى. هذه المداخلة التي تضمنت مادة علمية دسمة تفاعل معها الحاضرون بشكل كبير باعتبار أن محتواها هو حديث الساعة في الميدان الصحي على الساحة العالمية. المحور الثاني لهذا الملتقى كان متميزا للغاية هو الآخر حيث امتزجت فيه المعرفة العلمية بالحالات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية والممارسات المهنية المعقدة حيث تطرقت مداخلة الدكتور محمد المعالج أخصائي الطب النفسي إلى الضغط النفسي لدى الكهول فالكهل أصبح عرضة إلى تقلبات نفسية باعتباره يشعر بالوحدة والعزلة والإهمال من طرف المجتمع وتزداد الوضعية تعقيدا في الدول الأوروبية خاصة التي تسجل بها وباستمرار عمليات انتحار في صفوف الكهول نتيجة الأمراض التي يخلفها الضغط النفسي لديهم لذلك لا بد على الأطباء الأخذ بعين الاعتبار هذه الوضعيات المعقدة فالمرضى في صفوف الكهول الذين يقصدون المستشفيات للتداوي من مختلف الأمراض الأخرى نسبة هامة منهم يعانون من مرض الضغط النفسي الذي يعتبر مرض العصر ولكنهم لا يشعرون بحالاتهم النفسية لذلك لا بد من حسن التعامل مع هذه الشريحة العمرية. وفي المقابل يحتاج المجتمع إلى حملة تثقيفية لمزيد العناية بالكهول وإن كانت الوضعية بالمجتمعات العربية والإسلامية أفضل بكثير مما هو موجود بالدول المتقدمة نظرا لحرص الثقافة الشرقية على تقديس الروابط الأسرية. المحور الآخر لا يقل أهمية عن سابقيه حيث تناول دور التغذية في انتشار أمراض البواسير أو ما يعرف لدى العامة بمرض «العذر» وقدمه الأستاذ نبيل الطاهري رئيس قسم الجهاز الهضمي بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر بمشاركة الأستاذة حميدة التركي رئيسة قسم الأمراض الجلدية حيث تم التطرق إلى تغير العادات الغذائية لدى المواطن مواكبة لتغير نمط العيش وارتفاع نسبة التحضر وانتشار المطاعم مما أفقد البعض توازنه الغذائي وخلف عديد الأمراض أبرزها مرض البواسير الذي يحتاج إلى الوقاية والتنظيم المحكم في تناول الوجبات الغذائية أكثر من حاجته إلى العلاج. المحور الأخير في هذا الملتقى كان من تقديم الدكتور محمد مخلوف الذي قدم برمجيات إعلامية تمكن من حسن رصد أنشطة الطب المدرسي والوقائي وعمليات التلقيح وغيرها من المسائل الطبية. والأكيد أن هذا الملتقى الطبي قد استقطب أنظار العديد من المتتبعين لما تضمنه من مادة علمية تعود بالفائدة على المواطنين عامة وفي هذا المجال أفادنا الدكتور نورالدين بن عبد الله رئيس لجنة تنظيم الملتقى بما يلي «هذا الملتقى الطبي الذي نشرف عليه سنويا بجهة جبنيانة نسعى من ورائه إلى نشر المعرفة والثقافة الصحية لدى المواطنين والإطار الطبي وشبه الطبي على حد السواء ورغم حداثة هذا المشروع الذي نقوم به إلا أننا سجلنا نجاحا متميزا للغاية بشهادة مختلف الأطراف الفاعلة في الميدان الصحي بولاية صفاقس ونحن عاقدون العزم على مزيد تفعيل دور الملتقيات من أجل أن ينعم المواطن بخدمات صحية راقية تستجيب إلى تطلعاته في هذه المرحلة بالذات...». وتجدر الإشارة إلى أن هذا الملتقى قد احتضن معرضا للأدوية من ابتكارات المخابر الطبية بمدينة صفاقس كما تم استعراض عدة أعمال وبحوث قامت بإنجازها الإطارات الطبية بجهة جبنيانة.