الى نون بين الوقت والمسافة يلتقط الصور خلسة، يتنصّت على كلامنا، يكتشف عري جلستنا، ويمضي حاملا سرنا. يبدو لكلينا شيطانا يفرز شرارات نار، بعجلات تحتك بالمعدن فتضج. تزعق. كأنها تريد ابتلاع زمن حلمنا، افتراسه. ووضع نهاية له. نهابه مندفعا صوبنا فيطغى بحضوره. نرى وجوه ركابه وهم ليسوا من أولئك البشر الذين نحدثهم ونعرفهم. أشكالهم مختلفة، وهي أقرب ما تكون للعب الاطفال المخيفة. تصرخ: يمر بعربات قليلة اليوم. تضيف: يعبر. تصمت قليلا ثم تصرخ بانبهار: أرأيته وقد عبر. تلتقط أنفاسا مخنوقة. تتمتم: سيبقى حتى يحين موعدنا. تلاحقه بحزن. فرح. بشعور مبهم يجمع بين الآن وما بعدها. تلوي عنقها حتى حده الأخير. مرددة: يعبر. عبر. سيعبر. ترجعه الى استقامته وتهز رأسها أسفا. لم نكن نبرمج لقاءنا به، لنكتشف أنه يفعل مستهدفا خلوتنا. ضابطا زمنه معنا. بقصد بتر وقتنا. اختراقه. إيقافه. إعادته الى الوراء. يمر بنا سريعا كالخطف. مسلطا طغيان نوره. يثبتنا في مربعات. تقيدنا. تظلم أفقنا. فتفقدنا بوصلة الاتجاه. يفسر ما نرغب عكس ما نشاء، فيطحن الرغاب، ينثرها ذرات ريح. أنا وهي. أغنيات. موسيقى. صمت. (بورانا)... نتحلل في الاسطورة. شيء يحولنا الى كرتين. يخرجنا على سكتين. وبفوهة الشبح الواسعة يشفط حلمنا، لنتجمد بردا من صقيع الحسن يمر... لابد أنه سيمر. يشل صمت دهشتنا. أنا وهي. موسيقى. كلمات. (أنا من ضيّع في الاوهام عمره. نسي التاريخ أو أنسي ذكره). دنيا القادم. الخارج. الماضي. الحاضر. الراكد. المتحرك. وتعطي لبصرها قوة الغروب. تطلقه الى طرف. أطراف متداخلة. متشعبة. أخطبوطية. بأظافر سوداء طويلة. حادة. انكسارات. هيجان. ونهوض أموات من نوم المقابر. ما الذي يجري في دقائقنا؟ وما يعنيه ضجيج الحديد مع الحديد؟ الذي يقشعر بدنينا. يمزق وجودنا. مطلقا رصاص شوك الصبار. ليثقب درعي صدرينا. مهشما دريئتي بعدنا. لنتلاشى مخلفين خطا من لزوجة مخاط. ما تبقى منا غيره. وبجبروت المهيمن يضغط علىرأسينا لينحنيا بطواعية عدم ردة الفعل، ونراه يصعد أفقيا، كطائرة أنهت جنون مدرجها لتعلو بين أرض وسماء، تصرخ اللّعب داخل عرباته التي يرتفع بها. تتضارب. تتشقلب. أنا وهي وصرختها المفزعة. المصير. ويظهر سرداب الخيبة الكبرى. نحاول الابتعاد عنه، لكن الاطراف تتجاذبنا. تلهو. تكتم أنفاسنا. تشدنا. تخنقنا. تقول بهدوء من يواجه الحتم؟ كم من وقت سوف يستهلكنا حتى يأتي المصير؟ تتساقط اللعب. تصطدم بفروع الاشجار وجذوعها العتيقة. تتحطم. والاعصار يقذف بالاجزاء. أنا وهي كرتان في ملعب ما فيه إلا الاقدام. سيختم اللحن. والضربة الاخيرة تكون دون ألوان. قلت: بحر من الرمل في انتظارنا، ونحن مفروشان أمامه لعذاب نحن فيه ولسنا له. ونعيش كي نعيش. مؤشر الصوت حتى آخر مداه. أنا وهي قيد الانتظار. من ينتظر هو الذي ينتظر. من دخل كان قد دخل. ومن في طرف سيصبح بآخر. سألت: متى نتحول للعب؟ ضحكت أم بكيت. بكيت وضحكت... قلت: يطوقنا الانتظار. قالت: وماذا ننتظر؟ جنون إقلاعنا على المدرج. عاموديا بين أرض وسماء. وكمن استيقظ من رقدة موته. صرخت: لنردد كلمات الاغنية، ولن تسأليني بعد الآن أي اتجاه سنسلك، ولن يغادرنا، وذات لحظة سنتحول الى حطام لاعصار يحمل نثراتنا ويمضي، ولن نتمكن من استيعاب ما حدث، وستطول المسافة، كل شيء ينتهي إلا هي، ارفعي صوت الاغنية، استمعي، أنت معي، اتركي اللحظة لنفسها، وسيعبر صاعدا. مستقيما. متعرجا. ملتويا. عموديا. صارخا. زاعقا. ضاجا. صامتا. لابد له من عبور واحد فقط... ونحن قيد الانتظار. رئيس فرع اللاذقية لاتحاد الكتّاب العرب في سوريا