لاطّلاع واسع ورغبة فعليّة وعشق لهذا الفنّ ومن يقوى على التّحمّل ويحدوه الإصرار كما حصل معي طيلة 14 سنة فإنّه يستطيع بلوغ ذلك وأنا هنا لا أنفّرهم من خوض هذه التّجربة بقدر ما ألفت انتباههم إلى مدى المعاناة الّتي عشتها حتّى سنحت لي هذه الفرصة والتّلفزة أو شركات الإنتاج لها شروطها ولا يمكنها أن تغامر بأيّ سيناريو إذا لم يكن هادفا ومحبوكا وتتجلّى مؤشّرات نجاحه من أوّل قراءة له وليس كلّ روائيّ أو قصّاص قادرا على كتابة هذا الفنّ العسير ومسلسل (دنيا) مثلا كتب في 675 صفحة تقريبا ومن ارتأى ذلك عليه أن يطّلع على فنّ كتابة السّيناريو والحوار ومشاهدة أكثر ما يمكن من أعمال دراميّة وأن لا يفكّر في المردود المادّي قبل أن يفكّر في كيفيّة اكتشاف هذا الفنّ وتناوله وعشق الصّورة والحركة والشّخصيّة واختيار الحوار المناسب لكلّ حالة واطّلاعه على مكوّنات كلّ شخصيّة سواء كانت نفسيّة أو اجتماعيّة وخلفيتها الثّقافيّة حتّى يتمكّن منها وينقلها إلى الورق ويتدبّرها كما يجب وإدراك مفاهيم عديدة في الدراما كالصّراع والصّدق ومقاربة ما يدور في الخيال بالواقع من خلال انعكاسه هو على ما يجري وحسن استغلاله للرّاهن وقضاياه وأن يكون قريبا قدر ما يستطيع من انتظارات المشاهد ويتناول حياته بحرفيّة عالية قادرة على التّأثير فيه وهنا يكمن تقبّله لهذا العمل أو النّفور منه. ٭ ما هي أسباب ندرة الرّوائيين التّونسيين مع التّلفزة والسّينما في تونس؟ كلّ يدلي بدلوه. هذا يرى أنّ الرّوائي التّونسي لا يستطيع أن يقترح عملا هادفا يمكن أن يجتذب المخرج بينما يرى طرف آخر أنّ الرّواية كفنّ أبعد ما تكون عن السّيناريو وتحتاج لحرفيّة خاصّة حتّى يمتلك القاصّ القدرة الّتي تؤهّله لذلك وأنا كروائيّ عانيت الكثير ختّى توصّلت بعد جهد جهيد إلى إقناع التّلفزة بعد أن حصلت عمليّة التّبنّي من طرف من لهم دراية بالدراما ومازلت بعد أتعلّم وأنصت دائما إلى آراء العارفين ولا أرى حرجا في ذلك ولا أدّعي إطلاقا أنّ عودي قد اشتدّ الآن ولا يهمّني مدى نجاح مسلسل (دنيا) والمتابعة المكثّفة له رغم التّوقيت الّذي تخرج فيه الأغلبيّة إلى المقاهي أو التّنزّه بقدر يهمّني ما حبّره بعض الصّحفيين مشكورين بعد حلقتين تقريبا والحكم مسبقا على العمل دون متابعته إلى آخره حتّى يتبدّى لهم جيّدا وإن توقّعت منهم كروائيّ أوّلا وكسيناريست ثانيا يخوض تجربته الأولى شيئا من التّحفيز والتّشجيع لأنّني من خلال ردود فعلهم أقوى على استنزاف نفسي وتقديم ما هو أفضل حتّى أقوى على الاستمرار والعطاء وما يهمّني بعد كلّ هذا هو الآتي من الأعمال ومحاولة القسوة على نفسي كما ذكرت ويظلّ كلّ شيء نسبيّا وعليّ أن أصعد السّلّم درجة درجة دون سقوط قد يفضي إلى الفشل بعد ذلك وأنا بطبعي أكره الفشل أو اليأس وكلّما مرّت بي ظروف صعبة أتجاوزها بسرعة وأندفع إلى الأمام دون أن أتسمّر طويلا أو ألتفت إلى الخلف.