«العطش الاسود» شريط سينمائي عالمي تحتضن ربوع بلادنا القسط الاوفر من مشاهده في صحاري قبلي وتوزر (عنق الجمل) ونفطة ودوز ومطماطة القديمة وهو الفيلم الثالث الذي يتم تصويره في تونس... «الشروق» انتقلت الى موقع التصوير ب«الزراوة القديمة» لتنقل بالصورة والكلمة مشاهد اولية من عمل يدل على ضخامته وكلفته الباهظة عدد المشاركين فيه من مخرجين مساعدين وممثلين وتقنيين وفنيين وموضبين وملابس ومكياج... الطريق الى «زراوة القديمة» كان شاقا ووعرا باتم معنى الكلمة.. طريق صخري لم تتمكن العربات الكثيرة التي اصبحت تقطعه جيئة وذهابا على موقع التصوير من التخفيف من حدته...هذه الطريق الجبلية لا تتسع لعربتين واذا التقتا فعلى احداهما الوقوف جانبا والسماح للاخرى بالمرور.. وعلى مسافات طويلة لا يعترضك أي كائن حي في صحراء جرداء الا من بعض النباتات الشوكية وبين الفينة والاخرى تجد اثار الامطار الاخيرة في شكل برك لم تجففها بعد رياح الشهيلي والشمس المحرقة... وبعد حوالي الساعة كانت فيها السيارة تنتفض كمن مسها جان اطل علينا سفح جبل موقع التصوير بخيامه الكثيرة المتناثرة. 400 سنة من التاريخ لازالت «الزراوة القديمة» ارضا بكرا لم تطأها اقدام الحضارة وتشوه جمالها الطبيعي على صعوبته فبقيت اثار منازل»الاجداد» على حالها... عمارة قدت من الصخر وفيه استقرت... اتخذها اهلها في اعالي الجبل اتقاء من العوامل الطبيعية ومن غزوات القبائل ويعود تاريخ المنطقة حسب بعض اهل الاختصاص الى حوالي 400 سنة مضت... وبين الجبال المتناثرة توجد منبسطات صغيرة الحجم تستقر مياه الخريف والربيع فيها فتوفر مائدة مائية للشرب وللفلاحة وينتشر وسطها عدد من النخيل غير قليل بما يجعلها واحة صغيرة توفر التمر والظل.. إلا ان اهاليها وكما يروي البعض اجبرتهم صعوبة المناخ وانعدام كل مظاهر المدنية على هجرها والاستقرار بمدينة «زراوة الجديدة» التي بنيت اواخر الستينات وبداية السبعينات في شكل مساكن شعبية لاستقبال اعداد الفارين من صعوبة العيش في اعالي الجبال ولم يبق من اهالي المنطقة الا شيخ وعجوز اصرا على تحدي العوامل الطبيعية و التشبث بالارض و الاكتفاء بما تدره عليهما قطعان الغنم والواحة الصغيرة من اسباب العيش. موقع التصوير... خلية نحل سفح جبل «زراوة القديمة» تنتشر فيه خيام كثيرة تم تقسيمها الى ورشات عمل فهذا لحياكة الملابس وتلك للماكياج والاخرى لاعداد بعض الديكورات والمتممات التي يتطلبها سيناريو الفيلم كما هو الشأن لباب ضخم صنعته أياد تونسية مهرت في نحته وزرعه في عمارة الجبل حتى يخيل لناظره انه يعود الى مئات السنين.. كنا نتجول بين الخيام ونطلع على عناصر «الفيلم» خاما والى جانبنا طارق الخريجي وجوهر بلحسن من موضبي الفيلم يقدمان الينا من معطيات الشريط ما هو مسموح لهما وبين الفينة والاخرى يهاتف المسؤولين بجهاز «التالكي والكي» للاستشارة معهم حول دخول موقع للتصوير او الاطلاع على محتويات خيمة او غيرها.. حضرنا مشهد تصوير بثلاث كاميرات مثبتة فوق الجبل و داخل القرية وعلى شاحنة غير بعيدة عن موقع التصوير لاخذ مختلف المشاهد من ابعاد مغايرة.. ما شهدناه لا يتجاوز دخول قافلة من الابل والحمير الى «القرية» المفترضة وهي محملة بالمتاع والبضائع وهو مشهد على بساطته فإنه يتطلب تنسيقا وتنظيما محكما بين مختلف الاطراف التي يعلم كل واحد منها دوره في العملية... ممثلون عالميون وحسب مدير الانتاج طارق الخريجي فان اعداد امكنة التصوير تطلب اكثر من ثلاثة اشهر وسيتواصل العمل في تونس حوالي 12 اسبوعا تمثل 90% من العمل إجمالا قبل التوجه الى القطرين الليبي والقطري وسيشارك اكثر من خمسين ممثلا تونسيا في العمل نذكر منهم احمد الحفيان وعلي بن النور وهشام رستم ولطفي الدزيري ومحمد ساسي بن غربال ومحمود الارناؤوط ورؤوف بن عمر والمنصف السويسي ومحمد علي النهدي وحلمي الدريدي وعبد المجيد الاكحل وغيرهم... ومن الوجوه العالمية نذكر الممثل الاسباني انطونيو بانديراس والممثل الفرنسي الجزائري الأصل طاهر رحيم والممثل الانقليزي مارك سترونغ والممثلة الهندية فريدا بينتو والى جانب عدد آخر من الممثلين من جنسيات مختلفة. أحداث الفيلم الذي كتب نصه السويسري هانز روش تدور زمن الاكتشافات الاولى للبترول في ثلاثينات القرن الماضي وتقوم على صراع مفترض بين قبيلتين عربيتين لاقتسام الذهب الاسود فتدور حروب يذهب ضحيتها اعداد كبيرة من السكان وتنشأ من رحم المعارك قصص حب بين ابناء وبنات القبيلتين لرفض الواقع المفروض عليهم. معطيات لها دلالات قد تغني بعض الارقام عن أي تعليق للدلالة على ضخامة العمل اذ يتواجد بمنطقة التصوير بالزراوة حوالي الف شخص في مختلف الاختصاصات ويشارك في أداء الادوار مئات الممثلين ففي مشهد واحد سيشارك حوالي 400 ممثل بين ادوار رئيسية وثانوية وصامتة ويشرف اكثر من 150 تقني تونسي على مراحل إعداد الشريط الذي تحتكر تونس اكثر من 90% من مناطق تصويره بين نابل وقابس (زراوة القديمة) وبن عروس وقبلي وتوزر (عنق الجمل) والحمامات و نفطة... كما ان اكثر من 5 آلاف قطعة ملابس حيكت خصيصا للفيلم بايد تونسية وفي مصانع تونسية وينتشر بموقع التصوير اكثر من 250 فرسا وجملا مع اصحابهم وبعضهم من «التوارق» بلباسهم المميز وقد تم تسخير اكثر من 200 سيارة وشاحنة وعربات ضخمة لتوفير كل مستلزمات النجاح في مشهد بانورامي فيه الكثير من التنسيق ورغم التكتم على ميزانية العمل فإن البعض يقول بأنها تتجاوز 50 مليارا. خلق «العطش الاسود» في كل مكان حل به حركية اقتصادية كبيرة وحيوية ثقافية ومن المنتظر بعد الانتهاء من تصويره وتركيبه ان تكون تونس من بين الدول الاولى التي سيتم عرض الشريط فيها فهل يكون فعلا في حجم منتجه ومخرجه وابطاله؟