يمكن التأكيد الآن بأن تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير حول انفصال جنوب السودان ومنها قوله بأن الوحدة سوف تبقى في الوجدان وأنه يتطلّع الى علاقات قوية بين الشمال والجنوب مستقبلا، هي بمثابة التسليم التام بأن زمن السودان الواحد قد ولّى وانتهى. ومن المفارقات الغريبة التي حصلت بالعالم العربي خلال العقدين الاخيرين هي انهما شهدا في البداية توحيدا لشطري اليمن، الشيء الذي بث أملا وقتها في صحوة عربية وأعاد للنفوس حلما طالما راودها وحرّك في الأرواح توثبا بعد أن أعاقها شلل طويل. ولكن انفصال جنوب السودان عن شماله لم يوقظ فقط المخاوف من جديد بل هو ذكّاها بالاحباط واليأس الشديدين خصوصا أن نعرة الانفصال قامت مجددا في اليمن وأن شبحه مازال يحوم فوق العراق وأن عناصره كاملة في أكثر من بلد عربي خصوصا تلك المتاخمة لاسرائيل والموجودة في قلب أخطر المعادلات الدولية وفي أهم مفاصل الخارطة العربية. وانطلاقا من هذه الحقائق يمكن القول ان السودان قد لا يكون استثناء وقد لا يمثل حالةشاذّة، بل لعلّه بداية لأمر لم يكن ليتصور ولكنه حدث مع الايام وتراكمات الاحداث وغفلة العالم العربي كلّه عما يجري فيه ويحاك ضدّه. وبذلك أيضا يكون انفصال جنوب السودان عن شماله علامة فارقة ولحظة تاريخية عسيرة وحزينة خيّمت على العالم العربي وزعزعت الكثير من مسلّماته وأشعلت أضواء حمراء قانية أمام مستقبله. والسؤال هو هل يستخلص هذا العالم دروسا من الأمر العجاب الذي حصل أم أنه سيظل مثل المريض الذي يرفض ان يصحو من غيبوبته ولا يردّ فعلا على أية صدمة تخترق قلبه وشرايينه ولا يتجاوب مع أي مصيبة تحل به ولو كان فيها فناؤه؟ الحقيقة أن هذا الامل مستبعد بدوره، فعلى تخوم السودان وغير بعيد عنه مزّق بلد ينتمي الى جامعة الدول العربية تمزيقا حتى أصبح مرتعا للتطرف وملاذا للقراصنة ووكرا للعصابات بعد أن انشطر بدوره الى دولتين: صومالي لاند وشقيقتها الصومال، فلم يتحرك أحد من هذا العالم العربي الفسيح الا بالجلبة واعلاء الصوت وترديد الشعارات، وكم سمعنا قبل ان ينشطر السودان بدوره من بيانات رسمية عربية تؤكد على مساندة هذا البلد الشقيق وضرورة العمل من أجل وحدته والتصدي لكل من يتآمر ضده، فكيف كانت النتيجة؟