الجهوية للتعليم تطاوين) ... أن ينجح الفلسطيني في صوغ مصالحة بين الألم وإشراقات الحياة... فهذا أمر مدهش! ولكن... القدرة على ابتكار طرق التفافية خاصة به، في الصخر وفي الطين، ومرواغة الدبابات للانتقال من زقاق جهنمي الى شارع ملتهب... هي تعبير عن إرادة الحياة فيه، كما أنها تعبير أيضا عن ندرة الحياة وبؤسها في واقع يطمح الى تجريده من الشروط الانسانية الاولية، كأن يعود به الى ما قبل الشارع، وما قبل وسائل المواصلات، وما قبل الساعة، وما قبل الافق. مضطر. لأن قوة الحياة الكامنة في الكائنات أن تعمل. ولكن مديح التكيّف يحدد للارادة حيّز عمل شديد الضيق، إذ يصبح هذا الشرط اللاإنساني الامتحان البائس لمتطلبات إنسانيته، بتحوّله الى شكل من أشكال الروتين، فيفرح بانسحاب دبابة من باب منزل، أو بالخروج من عنق الزجاجة عند احدى الحواجز، أو بتوقّف الاباتشي عن التحليق والقصف لمدة يوم واحد! ليس أفق الحرية وحده هو الذي يضيق بالحصار. فللحرية معنى يسبقه ويفك الحصار. لا لشيء إلا أنها مؤجلة دائما. أما الحياة المحاصرة فإنها تخشى التعوّد على ما يشبهها. كأن تؤلف صورتها في ما ليس منها. كأن هذه الحياة هي المعطى الممكن الوحيد من الحياة، فتعدّ العدّة للتكيّف مع ما يناقض جوهرها، كأنها حلم أو مشروع قابل للتأجيل والتفاوض. فيصبح حقه في حياة إنسانية، بمعناها الخام، أحد بنود الحل النهائي! ليس الصراخ عيبا. فليصرخ إذا، لا ليسمعه أحد، فلا يجرؤ أحد على الاصغاء الى صرخته لئلا يُتهم بالخروج عن جدول أعمال أمريكا. لكنه يصرخ ليقول ما هو أبسط. ليقول، إنه لا يتكيّف مع ما هو فيه، حتى ولو كان هذا التكيّف أحد تجليات البطولة. فلا تبهجه بطولة تتعارض مع وعيه لانسانيته. إن تحمّل العذاب شيء يختلف عن التعوّد على عادية هذا العذاب وروتينه اليومي المفتوح على ابتكار أنماط تآلف جديدة. فليصرخ، لا ليسمعه أحد. بل لتوقظه صرخته مما هو فيه. كيف التبس على الوعي العالمي الفارق بين المقاومة والارهاب؟ كيف تم الانتقال من التنافس مع الآخر على صورة الضحية الذي كسبه بعض الوقت... الى التنافس مع الآخر على سؤال: من أين يأتي العنف ومن أين يأتي العنف المضاد؟ (إف 16 مقابل هاون من صنع محلي). وكيف استطاع العالم الظالم أن يرسم له صورة شائعة: صورة الارهاب؟ لقد أدرج سؤاله: سؤال العدالة والاستقلال والتحرر من آخر احتلال على الكرة الارضية في سباق الحرب على الارهاب. وتم تحويل الاحتلال الاسرائيلي من إرهاب دولة رسمي الى دفاع عن النفس في حرب استقلال لا تنتهي إلا بالقضاء على معركة استقلال بدأت. وإذن؟ فليصرخ اذا لتوقظه صرخته: إن مقاومة الاحتلال بوسائل ملائمة لا تشوّه صورة حقه وحقيقته، ليست إرهابا... حتى ولو ترافق ذلك مع موت المرجعيات العالمية، بعدما أصبح مجلس الامن الدولي شديد الشبه بمجلس الامن القومي الامريكي، وبعدما أصبح ذهب السكوت العربي لامعا، الى هذا الحد: حصار يلد حصارا، وأمريكا تحاصر الجميع. فماذا نفعل اذا حاصر فرعها الشرق أوسطي المدن والقرى الفلسطينية؟... سؤال لجوج مافتئ ينهشني وإني أراه يهدد الجميع بالسقوط في الهاوية. وفي عمق الهاوية قد لا نجد متسعا للجميع... لولا الامل... لولا الارادة... ------------------ * نشر هذا المقال على احدى جدران المقابر العربية... وكاد أن يوقظ الموتى من سباتهم!!