لقد كان يوم جمعة عظيم، لقد خرج آلاف التونسيين بكل اندفاع وتلقائية وزحفوا نحو باردو متشوقين متلهفين للقاء، لقاء القائد، لقاء ذلك الرجل الذي يعمل منذ سنين وسنين من أجل إسعادهم وخدمتهم من أجل تونس العزيزة، لقاء سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، من ثمّة استقباله وتأييد ترشحه وإبلاغ مساندتهم له بكل ما قدرت عليه أصواتهم الهاتفة بحياته والمدوية بشعارات المحبة والولاء والوفاء. لقد كان يوما عظيما، يمكن أن تكتب حوله عشرات المقالات من التحاليل السياسية وغيرها لتفسير تلك الملحمة وتعليل تلك المحبة الصادقة والانصهار التام بين رئيس وشعبه، ولكني لن أذهب الى ذلك، وأريد أن أعبر فقط عما شعرت به ورأيته وأنقله بالكلمة الصادقة والأحرف المنطوقة مما سمعته وعاينته في ذلك اليوم ممّن جاؤوا للقاء المشهود. لما بلغني الاستدعاء لم أكن أعرف لأي مكان أتوجه أو أين أرسي سيارتي وإلى أي حد يمكنني أن أصل، وفي لحظات من التأمل خطرت في بالي فكرة، ماذا لو اندسست في وسط الجماهير؟ وعشت بين الشعب الكريم هذه اللحظات التاريخية؟ وسرعان ما قمت بالتنفيذ، وإذا بي بين بحور من البشر هاتفة بحياة الرئيس مرددة شعارات التأييد والولاء دون خوف أو طمع أو رياء، آلاف من البشر كالأمواج المتلاطمة لم تردعها لفحات الشمس الحارة ولا الشوارع التي ضاقت بها، رغم اتّساعها، وسألت نفسي ما الدافع في ذلك، رغم أني أعلم علم اليقين حب التونسيين لسيادة الرئيس، وفي انتظار الركب الميمون تنقلت بين المجموعات وأطرقت لأحاديثهم، وإن كنت ما سمعته طويلا ومعبرا فإني أنقل هنا ثلاث خواطر فقط أجدها معبرة أحسن تعبير: جمع من النسوة يزغردن ويطلقن أصواتهن هاتفين بحياة الرئيس وبين الحين والحين عندما يسكتن لاسترجاع أنفسهن ينخرطن في الحديث، حديث نساء عن البلاد والأحوال، فاقتربت منهن وسألتهن بكل حذر أخواتي كلنا نحب الرئيس ولكن في هذا اليوم هل هناك أمرا يأتي في بالكن يكون الدافع لحضوركن؟ قالت إحداهن: «إبنتي تحصلت من بنك التضامن على قرض وكونت مشروعا لنسخ النصوص وأصبحت تشغل معها بنات الجارة وأصبحنا من أصحاب المشاريع بعد أن كنا فقراء وأصبحنا من الأعيان في حيّنا». أما صديقتها فضحكت وهي ماسكة بيدها أنا جئت لأني أحب الرئيس بن علي، رفع رأسنا بين الأمم ويناضل بصدق من أجل فلسطين، لقد تأثرت بالأمس بأم أسير فلسطيني شاهدتها على شاشة التلفزة فجئت اليوم مؤيدة للرئيس الذي جعل من فلسطين قضية تونس الأولى. وعلى بعض خطوات من تلك النسوة كان هناك حشد من الشبان يهتفون ويرقصون وكان أحدهم يضرب على الدف ويطلق أهازيج يتغنّى بخصال الرئيس وإنجازاته فكان جواب أحدهم عن سؤالي: «ما الذي تريد أن أختارمن اسباب لحضوري وتأييد الرئيس بن علي» الأسباب كثيرة لكني شخصيا رجعت الى الدراسة في الجامعة من جديد بعد أن استنفذت حقي في سنوات الرسوب بفضل قرار سيادته وتحصلت على الاجازة في الحقوق وأنا أعمل الآن إطار في مؤسسة مالية، لقد كتب لي أن أكون مجرد فاشل في دراسته لكن بفضل الرئيس بن علي ومراهنته على الشباب ها أنني نجحت وكتب لي مستقبلا جديدا». في هذا الجو المفعم بالفرحة والهتافات لفت انتباهي رجل في مقتبل العمر لما كان يبديه من حماس شديد واندفاع كبير الى حدّ أن خفت أن يسقط نظرا لسنه فشدني حب الاطلاع أن أسمعه قال: «يا وليدي عمري كامل عديتو في الحضائر وخريف عمري ما كان عندي فيه كان ربي جاء بن بن علي ورسمني وضمن لي شيخوختي، نهز في صوتي ونصيح ثماش ما يسمع شكري ولا يخليوني نوصلو ونبوسو ونقلو ربي يبارك فيك يا وليدي». لقد كانت عواطف جياشة معبرة من أعماق النفوس ومن داخل القلوب ملآنة بالمحبة الصادقة الخالصة الى سيادة الرئيس. لقد أحب تونس وأحب شعبها ويعمل من أجله، من أجلهم جميعا وخاصة الضعفاء لذلك خرج الآلاف يوم الجمعة حبا ووفاء وانهمرت الدموع وارتفعت الأصوات والهتافات مخلصة صادقة بعيدة عن كل رياء وعاد كل تونسي بالأمس إلي بيته وفي يده صك ضمان وأمان لتونس للسنوات القادمة من أجل مجدها وعزتها.