مثل عل امتداد ثمانينات القرن الماضي، أحد أبرز الأصوات الشعرية.. أثرى المدونة الغنائية بإنتاجات متميزة في رؤاها وأهدافها.. لاقت أغنياته صدى كبيرا بل كانت المنطلق والمساهمة في ميلاد جيل فني كان له حضوره وتأثيره الايجابي في مسيرة الأغنية التونسية: نجاة عطية وصلاح مصباح وشكري بوزيان والشاذلي الحاجي وأمينة فاخت وصوفية صادق.. والقائمة طويلة في هذا المجال. وكان في الحسبان أن يواصل الطريق.. لكنه اختار الابتعاد والتوقف عن الانتاج الغنائي ليقتحم تجربة الانتاج التلفزي وكانت له في ذلك محطة هامة من خلال «ألوان» ثم «يسعد مساكم».. إلا أن هذه التجربة سرعان ما توقفت في ظروف مازالت إلى حدّ الآن محل تساؤل.. ليغيب عن الساحة الابداعية مخلفا عديد الأسئلة بعد أن اختار العودة إلى مسقط رأسه بالجنوب التونسي. هو الشاعر الغنائي عبد الحميد الربيعي الذي اختار التحدث إلى «الشروق» بعد حوالي عشر سنوات من الصمت. ٭ عبد الحميد الربيعي.. أين أنت؟ من قال ليّام تغيّرت وراح التعب بعيد ومن قال بعد الحزن ليّام تصبح عيد ومن قال بعد الهدوم البايدة يصير اللّباس جديد هو القدر الذي جعلني أنتظر انبلاج فجر ثورة 14 جانفي حتى ينطلق لساني من عقاله ٭ صمتك كان إضطراريا؟ بالفعل.. صمتي كنت مجبرا عليه نظرا إلى حساسية موقعي المهني بدرجة أولى. ٭ وانقطعت بذلك صلتك بالوسط الفني؟ فقدت نكهة الابداع بعد المظالم التي تعرضت لها على أكثر من صعيد.. لكني لم أنقطع رغم ذلك عن الكتابة والتأليف من وحي معاناتي التي مازلت في انتظار وضع حدّ نهائي لها. ٭ جاءت ثورة 14 جانفي لتحرّر الألسن وتطلق العنان للكشف عن المظالم؟ نعم.. وهذا ما أتمناه.. فقد بعثت برسالة مصورة إلى السيد الباجي قايد السبسي الوزير الأول في الحكومة المؤقتة. ٭ هل تكشف لقراء «الشروق» مضمونها؟ كل ما يمكن القول في شأنها إنها تتضمن مطلبا للقاء به.. لأن في حوزتي عديد الحقائق والوثائق التي أرغب في الكشف عنها لسيادته. ٭ أنت تحتفظ بذلك لنفسك منذ فترة طويلة؟ مثلما سبقت الاشارة إلى ذلك فبحكم موقعي المهني الحسّاس في الوزارة الأولى قبل الانقطاع عن العمل فإن لي عديد الحقائق أعتقد أنه حان الوقت للكشف عنها. ٭ أترك لك حرية اختيار الوقت المناسب لذلك.. وأسألك أي وقع لثورة 14 جانفي على نفسيتك؟ كان لها وقع إيجابي على نفسيتي.. لقد رفعت الحصار المفروض عليّ.. في انتظار أن يتم إنصافي بتمكيني من كامل مستحقاتي المالية. ٭ تطالب بمستحقات مالية ممّن؟ من مؤسسة التلفزة التونسية وقيمتها 146 ألف دينار مقابل 10 حلقات من منوعة «يسعد مساكم» التي أنجزتها وقدمتها سنة 2002 بعد أن أنصفني القضاء لكن للمسؤولين على مؤسسة التلفزة التونسية رأي آخر. ٭ قاضيت مؤسسة التلفزة التونسية؟ بالفعل رفعت قضية إلى المحكمة الإدارية التي أنصفتني رغم محاولة البعض اتهامي بتزوير المستندات والوثائق الإدارية للحصول على أموال غير شرعية حسب تعبير هذا البعض الذي له علاقة وطيدة بالقصر. وللتاريخ أؤكد أن المحكمة الادارية كانت عادلة في حكمها. لكن ما أرهقني حقا هو التنفيذ. ٭ كيف ذلك؟ مازلت إلى حدّ إجراء هذا الحوار لم أحصل على هذه المستحقات رغم عديد المحاولات.. وما أتمناه إنصافي خاصة بعد أن تمت مصادرة كل معداتي للتصوير التلفزيوني بقرارات جائرة بعد رفضي القطعي التجاوب مع اغراءات مقابل القيام بخدمات خاصة. ٭ ما هي نوعية هذه الخدمات؟ كما سبقت الاشارة إلى ذلك فحساسية موقعي المهني تفرض عليّ الاحتفاظ بها حتى اللقاء بالسيد الوزير الأول في الحكومة المؤقتة. ٭ في خضم ما عشته وعرفته من عراقيل.. أريد معرفة كيف كان يعيش عبد الحميد الربيعي طيلة السنوات الماضية؟ مصدر رزقي الوحيد هو ما أتقاضاه من منحة بعد إحالتي على التقاعد الوجوبي. ٭ لكن المعروف عنك عدم انقطاعك عن الانتاج التلفزي؟ نعم.. لم أتوقف عن انتاج بعض الأعمال ذات الطابع الوثائقي بدرجة أولى بعد الاتفاق مع فضائيات عربية في هذا الاتجاه. ٭ يعني أنك منتج تلفزي تحت الطلب؟ إلى حدّ ما.. ٭ وكشاعر غنائي.. انقطعت صلتك بالمطربين؟ يعود ذلك بدرجة أولى إلى مغادرتي العاصمة والاستقرار بمسقط رأسي في مدينة قابس.. ثم لمن تكتب؟ فقد تغير المشهد الموسيقي. ٭ تغيّر إلى أي اتجاه؟ غابت الصور المعبرة بأحاسيس صادقة عن الانسان في كل مظاهر حياته وحلّ محلها الكلام المجاني.. وسيطر الايقاع بشكل كبير على الأغاني حيث أصبح التفكير منصبا بدرجة أولى على تقديم موسيقى راقصة على حساب المضمون الذي يبقى حجر الزاوية في الأغنية. ٭ إن طبيعة العصر تفرض ذلك؟ لكن هناك ضوابط لا مجال لتجاوزها.. أو التغاضي عنها.. الأغنية لا بد أن تكون لها رسالة واضحة حتى تخلد ولا يمكن نسيانها أو تناسيها.. لماذا خلّد التاريخ الفني صليحة والهادي الجويني وعلي الرياحي.. وغيرهم إنه التكامل بين الأضلاع الثلاثة للأغنية.. وهو ما أخذه جيل الثمانينات بدرحة أولى فكان الراحل حسونة قسومة وكان سمير العقربي والحبيب المحنوش وعبد الصمد كورشيد ومحمد صالح الحركاتي وصوفية صادق وعبد الكريم صحابو.. والقائمة طويلة.. مثل هذا التكامل أصبح مفقودا في أغنيتنا اليوم.. والتواصل شبه منعدم وهذا أثر سلبا على الانتاج الغنائي خاصة أنه أصبح التعاطي مع الأغنية بتساهل شديد وحتى المهرجانات الموسيقية لم تضف شيئا. ٭ وهل تحدوك رغبة لاستعادة مكانك على خارطة الشعر الغنائي؟ هذا أمر مرتبط بالظروف الجديدة بعد ثورة 14 جانفي المجيدة وأعني هنا ظروف التشجيع على الابداع الغنائي الجيد الذي يضمن الاضافة ويثري المدونة بانتاجات تخلّد نضال هذا الشعب الأبي لأجل الحرية والانتصار على الاستبداد. ٭ أنت تنادي بأغنية جديدة؟ أعتقد أن ثورة 14 جانفي المجيد منحتنا حرية التعبير بصدق وصفاء.. وما أتمناه أن نعيش عصر أغنية جديدة في مضامينها.. أغنية تبني الوطن وتؤسس لإبداع فيه الأمل والتفاؤل والانتصار للقيم الانسانية النبيلة. نحن في حاجة ماسة اليوم لأغنية تقطع مع السائد مضمونا وألحانا.