دلالات عديدة حملتها زيارة مجموعة من المؤسسات المالية الدولية في اليومين الأخيرين إلى تونس. دلالات تبدو في ظاهرها ذات بُعد مالي صرف غير أن المتابعين يتحدثون أيضا عن انعكاسات سياسية حتمية للزيارة. تونس الشروق: لم يسبق لكبرى المؤسسات المالية الدولية المانحة أن اجتمعت معا في زيارة واحدة الى تونس كما حصل في زيارة اليومين الماضيين. 8 مؤسسات مالية من الوزن الثقيل دوليا يتقدمها المفوّض الأوروبي لسياسة الجوار اختارت زيارة تونس في فترة صعبة ودقيقة تمر بها البلاد ماليا واقتصاديا ولكن أيضا سياسيا. وإذا كانت للزيارة مخرجات مالية واقتصادية ثابتة وقع التصريح بها بصفة رسمية من قبل الحكومة التونسية ومن قبل أعضاء الوفد، إلا أن الزيارة ستكون لها تداعيات سياسية حتمية، لم يقع التصريح بها رسميا لكن يؤكدها الخبراء والمحللون. دعم مالي واقتصادي من خلال الاطلاع على أسماء المؤسسات المالية الثماني التي شاركت في هذه الزيارة تظهر القيمة المالية الكبرى للحدث. فقد أكد رئيس الحكومة أن الزيارة تركزت على دعم القطاع الخاص وخلق المزيد من مواطن الشغل وتطوير آليات التشغيل وتنمية الجهات الداخلية وخلق فرص جديدة للتشغيل بها في قطاعات جديدة وواعدة على غرار تكنولوجيات الاتصال والطاقات المتجددة، إلى جانب دعم الطبقات الفقيرة ذات الوضعيات الاجتماعية الهشة عبر آليات متعددة منها منظومة الأمان الاجتماعي وبرامج الإحاطة بالعائلات المعوزة وغيرها من البرامج وكذلك الدعم الفني والتقني في مجالات أخرى عديدة.. متنفس للحكومة ويرى المحللون أن التعبئة المالية التي ستتبع الزيارة، (تمويلات دعم الميزانية قروض استثمارية للقطاعين الخاص والعام مساعدات اجتماعية) ستكون لها انعكاسات واضحة على إنعاش الاقتصاد. وسيكون ذلك من خلال إمكانية تحسين وضعية الدينار (الذي تسبب انهيار سعره في حوالي 80 بالمائة من الأزمة الحالية) وأيضا إمكانية تحسين احتياطي العملة الصعبة الذي قد يعود وفق بعض التقديرات الى ما فوق 80 يوم توريد. كما سيساعد هذا التدخل على امتصاص جانب من البطالة وعلى مزيد التحكم في الوضع الاجتماعي الهش لبعض الفئات الفقيرة بطرق مختلفة (مساعدات مباشرة دعم بعض السلع تحسين الخدمات العمومية في مجالات النقل والصحة والتعليم والبنية التحتية..) وأيضا على الاستجابة للمطلبية الاجتماعية. بين الحكومة والاتحاد إلى جانب تحسين المؤشرات الاقتصادية والمالية للدولة يتحدث المتابعون عن الجانب الأبرز لارتدادات الزيارة الذي يهم العلاقة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل. حيث من المنتظر أن تجد الحكومة في التعبئة المالية المنتظرة متنفسا ماليا قد يساعدها على مجابهة ضغوطات الاتحاد المطالبة بالزيادة في الأجور والاستجابة لها وتنفيذ الاتفاقيات السابقة. وهو ما سيساعد على تحقيق الهدوء الاجتماعي وبالتالي تهدئة مواقف الاتحاد التصعيدية تجاه الحكومة، ولاسيما مطلب تنحيتها.. دلالات سياسية جاءت الزيارة المذكورة في وقت شهد فيه الوضع السياسي حالة احتقان كبيرة بعد أن تعددت الانتقادات تجاه حكومة يوسف الشاهد. وتتالت الدعوات الى تنحيتها خلال اجتماعات «قرطاج 2» استنادا الى حالة الهشاشة المالية والاقتصادية التي أصبحت عليها البلاد واتهام الحكومة بالتسبب فيها.. وهذا ما يفسّر توجه أنظار المتابعين والخبراء اليوم الى هذه الزيارة بالقول إنها جاءت في وقت مُناسب بالنسبة الى الدولة والمجموعة الوطنية بدرجة أولى وبالنسبة الى حكومة يوسف الشاهد بدرجة ثانية حتى تتمكن من امتصاص الضغوطات المختلفة التي تواجهها والتي استند إليها بعض الأطراف للمطالبة بإقالتها. ويعتبر مُحللون سياسيون أن المؤسسات المالية الدولية المانحة لا تتعامل عادة إلا مع الأنظمة السياسية المستقرة. بل إنها تضع الاستقرار السياسي والحكومي على رأس قائمة شروطها لتقديم المساعدات والتمويلات. ووفق أصحاب هذا الرأي فإن التحرك المشترك للمؤسسات المالية الثماني الكبرى في العالم نحو تونس هذه المرة وبمثل هذه الكثافة والاهتمام لم يكن إلا استنادا الى مؤشرات استقرار سياسي وحكومي بالبلاد وربما لتطمينات داخلية وخارجية في الغرض. ومن جانب آخر فإن يوسف الشاهد قد يجد في هذا الاهتمام – وفق المحللين - دعما لوجوده ومصدرا من مصادر استمداد «حجة» البقاء على رأس الحكومة إلى حدود 2019.