سجلت نتائج امتحان الباكالوريا تراجعا واضحا منذ سنة 2011 إلى سنة 2018، هذا التراجع له عدة أسباب وعدة انعكاسات سلبية على صورة التعليم في تونس وعلى مدى جودة التعليم. فكيف ذلك؟ تونس الشروق: كشفت نتائج امتحان الباكالوريا عن معطيات هامة وخطيرة تتمثل في ضعف عدد المتميزين في هذا الامتحان الوطني، حيث لم تتجاوز نسبة التميز ال3.7 % في حين كانت نسبة الناجحين بملاحظة متوسط بمن فيهم الناجحون بالإسعاف بلغت ال90 %، ولم ينجح سوى 1 على 4 من التلاميذ المؤجلين. وهو ما يؤكد تواضع المكتسبات لدى التلميذ التونسيوبلغة الأرقام فقد بلغت نسبة النجاح في باكالوريا سنة 2010 50 فاصل 20 بالمائة وهي أعلى نسبة مسجّلة منذ سنة 2002 تاريخ اعتماد معدّلات السنة الدراسية فى نتائج البكالوريا. وارتفعت نسبة النجاح سنة 2011 إلى 52 فاصل 33 بالمائة. وتراجعت سنة 2012 إلى حدود 41.89 بالمائة وارتفعت سنة 2013 إلى حدود 52 فاصل 34 بالمائة وتراجعت سنة 2014 لتبلغ 49،07بالمائة، وتراجعت نسب النجاح أيضا سنة 2015 وبلغت 36.09% وبلغت سنة 2016 نسبة 36.73 بالمائة وتواصل تراجع النتائج سنة 2017 ليبلغ 30 بالمائة أي بانخفاض بثلاث نقاط عن نسبة النجاح العامة في الدورة الرئيسية لسنة 2016، علما وأنه تم فيها لأول مرة إلغاء احتساب نسبة 25 بالمائة من المعدل السنوي للمترشحين. وبلغت نسبة النجاح في الدورتين الرئيسية والمراقبة لبكالوريا 2018 41.7 في المائة، أي 52596 ناجحًا في المقابل بلغت نسبة الرسوب 58.2 في المائة أي 73456 راسبًا. فماهي أسباب تراجع نتائج الباكالوريا؟ تدني مستوى اللغات أكد وزير التربية حاتم بن سالم أن النتائج وفي جميع المستويات (السيزيام والنوفيام والباكالوريا) شهدت تراجعا مستمرا، وهذا التراجع تأكدا خلال هذه السنة التي تعتبر سنة التراجع في نسب النجاح وخاصة في الباكالوريا حيث لم ينجح قرابة ال59 % من المترشحين لامتحان الباكالوريا وهي نسبة كبيرة ومفزعة وجب الوقوف عندها ودراسة أسباب الفشل الكبير في نيل شهادة الباكالوريا من قبل أكثر من نصف المترشحين، وتقييم هذه النتائج تقييما حقيقيا. وأرجع ذلك إلى الظروف المضطربة التي مرت بها السنة الدراسية الفارطة وتعرض التلاميذ لضغوطات نفسية كبيرة انعكست سلبا على نتائجهم الدراسية في امتحان الباكالوريا. وبين الوزير أن منع ادخال الهواتف الجوالة لقاعة الامتحان جعل الاطار التربوي المراقب يقوم بدوره على أكمل وجه ويشعر بعدم التردد في الكشف عن حالات الغش، وبالتالي تراجع عدد التلاميذ الناجحين عن طريق الغش. وعن أسباب ضعف نتائج الباكالوريا في عدد من الولايات الداخلية أوضح الوزير أن ذلك يعود إلى عدم استقرار الاطار التربوي وإلى الضعف الفادح في اللغات وخاصة في المواد العلمية وظاهرة النواب، وهي عوامل يجب اخذها بعين الاعتبار والنسج على منوال ولاية توزر التي شكلت لجنة ووضعت استراتيجيا جيدة للنهوض بنتائج ابنائها في امتحان الباكالوريا وبالفعل فقد تحسنت نسب النجاح في هذه الولاية. أسباب التراجع مختلفة وحسب رأي الأستاذ طارق بالحاج محمد الباحث في علم الاجتماع فإن تراجع نسب النجاح في الباكالوريا يعود لعدة أسباب مختلفة منها اعتماد التقييم الحقيقي والموضوعي والتخلي عن نسبة 25 بالمائة التي كانت تعطي انطباعا زائفا بتفوق تلاميذنا. تراجع أداء المنظومة التربوية وخاصة في مستوى المواد الأساسية واللغات والتي تعتبر عماد التكوين الأساسي الجيد.ومحاصرة ظاهرة الغش التي كانت مستشرية والتعامل معها بحزم وجدية. والمشاكل التي شهدتها السنة الدراسية وخاصة الخلاف بين نقابة التعليم الثانوي والوزارة والتي اثرت على اتمام البرنامج الدراسي وعلى تركيز التلاميذ.كما أن الامتحانات الوطنية وخاصة امتحان الباكالوريا تمثل الفرصة والمحرار الذي يمكننا من معرفة المستوى الحقيقي لتلاميذنا بعيدا عن تلك المعدلات المبالغ فيها التي يتحصل عليها التلاميذ في مسيرتهم الدراسية أو أثناء السنة الدراسية فالامتحانات الوطنية عبارة عن تقييم موضوعي لمستوى التلاميذ بعيدا عن الاعتبارات الشخصية والمحاباة والعلاقات الزبونية بين المدرس والتلميذ. وتغير طبيعة التلميذ التونسي وتغير النظرة للدراسة ان تلميذ اليوم ليس هو نفسه تلميذ السبعينات والثمانينات فتراجع مستوى المعدلات يعكس تراجعا أكبر في الاهتمام بالدراسة من طرف هذا الجيل الذي يذهب إلى المدرسة «مرغما». فقد تعددت اهتمامات التلاميذ إلى جانب اهتمامهم بالدراسة، كالاهتمام بوسائل الاتصال الحديثة ، والأحداث الرياضية والأحداث الفنية وإهمال التلاميذ للمطالعة العلمية والأدبية فقد انتهى ذلك الزمن الذي كانت فيه المكتبات الفضاء المميز للمطالعة والترفيه وكان فيه الكتاب أحسن جليس كما هو الحال في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي. كما تغيرت القيم التربوية في زمننا ويظهر ذلك من خلال عزوف الشباب عن الدراسة وقلة انضباطهم للتشريعات وتقاليد المؤسسات التربوية وربما يعود ذلك إلى أن الدراسة لديهم لم تعد مسألة مغرية ربما لأنها لا تستجيب لطموحاتهم وتطلعاتهم ذات السقف المرتفع. وفي أحسن الحالات أصبحت علاقتهم بالمعرفة وبالمواد الدراسية علاقة منفعية تقتصر على اعتماد المعلومات المقدمة للنجاح في الامتحان فقط دون استغلالها في الجانب التثقيفي وتكوين الشخصية. وفي النهاية يمكننا القول إنه لا يمكن النهوض بنتائج التلاميذ اليوم وبمردود المدرسة التونسية عموما إلا بإعادة الاعتبار إلى الأستاذ كركن أساسي في المنظومة التربوية وذلك باستشارته في كل ما يمكن أن يهم المنظومة وأيضا في تنويع منظومات التكوين وجعلها تنبع من واقعنا. وكذلك بتنويع أدوات ومحامل التعليم بحيث تصبح أكثر جذبا وإغراء للمتعلمين.