بعيدا عن الاعتبارات العاطفية وعن الحسابات السياسوية وعن حرب الكواليس التي عاش على وقعها كل التونسيين بلا استثناء في الأسبوعين الأخيرين فإن منح الثقة لوزير الداخلية المقترح هشام الفراتي يمكن اعتباره عودة الوعي الى الطبقة السياسية من أجل إدراك ضرورة تغليب المصلحة العليا للوطن ذلك أن سد الشغور على رأس وزارة الداخلية يعتبر أمرا حيويا لبلاد تواجه الإرهاب وتخوض حربا على الفساد علاوة على أنها تواجه تحديات استراتيجية من أجل تحريك عجلة الاقتصاد التي ترتبط من خلال السياحة والاستثمار الخارجي ارتباطا وثيقا بالأمن. عودة الوعي تجلت أيضا في المكاشفة التي قام بها نواب كل الكتل البرلمانية تقريبا دون استثناء.. إذ أشاروا بوضوح الى مواطن النقص والخلل. ووضعوا لحكومة يوسف الشاهد أولويات جديدة يتعين عليها أخذها بعين الاعتبار. هذا دون أن ننسى أن منح الثقة للسيد هشام الفراتي يمثل الى جانب تجنيب البلاد الغرق في مستنقع أزمة غير معلومة العواقب استعادة لمنطق التحالف والتوافق. إذ التقت كتلة النهضة وكتلة نداء تونس حول دعم مرشح يوسف الشاهد لوزارة الداخلية. وهو ما من شأنه أن يمثل رسالة استقرار هامة لن تستفيد منها إلا تونس. والمطلوب اليوم بعد أن اتضحت كل الأوراق وموازين القوى أن يتغلّب فعلا منطق الدولة على منطق الأحزاب والمصالح الشخصية الضيقة وأن يضع الجميع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار... فليس هذا وقتا مناسبا لتبادل الاتهامات ولتصفية الحسابات... فهناك ما هو أولى وأهم من ذلك... هناك ملفات متراكمة وأزمات متفاقمة تنتظر من يفتحها ويعالجها بمنطق المسؤولية الوطنية. وليس بمنطق الغنيمة والحسابات الشخصية. لقد أثبت منح الثقة في وزير الداخلية الجديد أن التروّي والحكمة هما اللذان يوصلان الى نتائج إيجابية تنفع الجميع ذلك أن سياسات كسر العظام لا يمكن أن تكون عنوانا للعمل وأن «ركوب الرأس» ومنطق الأنانية والانتهازية لا يؤديان إلا الى الضياع... ضياع الوقت... وضياع الجهد... وضياع الوطن!