داخل الجبهة الشعبية مشكلة لا يمكن اختزالها في حمة الهمامي ولا في مطالبة الرحوي بالتغيير ولا في العلاقة بين حزب العمال والوطد… المشكلة المحورية في الجبهة أنها كائن سياسي يرفض التغيير والتجديد والتطور. فهل أوشكت اليوم على التفكك؟. تونس الشروق: «الجبهة الشعبية غير قادرة في الوضع الحالي على تحقيق نتائج مرضية في 2019». ما قاله القيادي في الجبهة زياد الأخضر مؤخرا على أمواج «راديو ماد» يحيلنا إلى تحد واضح وهو أن تغير الجبهة هذا «الوضع الحالي» وأن تكون خلال انتخابات 2019 في وضع أفضل يسمح لها على الأقل بالحفاظ على مكاسب انتخابات 2014. لكن قبل هذا التحدي هناك تحد أخطر وأهم وأولى وأقرب من حيث الزمن وهو أن تحافظ الجبهة على تماسكها حتى حلول موعد الانتخابات بعد سنة ونيف. فهذه المرة لم تعد خلافاتها «العائلية» مسجونة خلف أبوابها محكمة الإغلاق. بل إنها عبرت من ثقوبها لتصل المنابر الإعلامية: أصل الحكاية أن القيادي الجبهوي المنحدر من الوطد الموحد منجي الرحوي تجاسر على المطالبة بالتغيير مما أثار القلق حول خطة الناطق الرسمي التي يستأثر بها القيادي المتزعم لحزب العمال حمة الهمامي. علاقة سيئة قد لا يكون منجي الرحوي يقصد حمة الهمامي بعينه وإن كان يقصده بعينه فلم يقصده دون سواه عندما طالب قبل أيام في تصريح إعلامي ب»تغيير الزعامة». ولكن الحساسية المرهفة بين الحزبين جعلت القيادي (العمالي) الجيلاني الهمامي يصف تصريحات الرحوي عبر «شمس آف آم» ب»غير المسؤولة» وجعلت «الوطدي» محمد جمور يرد عليه عبر تحديد شروط لتفعيل الجبهة الشعبية منها «التداول على خطة الناطق الرسمي» على حد قوله في مداخلة له على «موزاييك آف آم». العلاقة اليوم بين حزب العمال والوطد ليست جيدة. هذا صحيح لكن الأصح أنها لم تكن جيدة ولن تكون جيدة. هذه عقبة مهمة في تطور الجبهة الشعبية. ولكن ما يتجاهله الجميع بمن فيهم أبناء الجبهة أن مشكلة هذا الطرف السياسي المهم جدا في الخارطة السياسية التونسية تتعدى العلاقة بين الوطد وحزب العمال: مصلحتان في الجبهة مكونات أخرى عدا حزب العمال والوطد تعاني الكبت والتهميش والإقصاء في اتخاذ القرارات الجبهوية الداخلية، اسألوا بن فضل (حزب القطب) أو عثمان بالحاج عمر (حركة البعث) أو حتى زعيم الكتلة النيابية الجبهوية أحمد الصديق (حزب الطليعة) عما تعانيه الأحزاب «الصغرى». داخل الجبهة تتخذ القرارات حسب رغبة الأقوياء وعلى البقية أن يعترضوا وينتفضوا. ثم يستسلموا مراعاة لمصلحتين: الأولى الحفاظ على كيان الجبهة ومنعها من التفكك مهما كانت التكاليف والثانية المكوث داخل جبهة ذات 15 مقعدا برلمانيا (الانتخابات التشريعية) بدل مواجهة المصير أحاديا والعودة إلى حكاية الصفر فاصل الموروثة عن انتخابات المجلس التأسيسي. والمبدأ في هذا أن تدور الخلافات والامتعاضات وحتى المعارك داخل أركان البيت المغلق وأن يخرج الجميع إلى وسائل الإعلام مبتهجين صوريا ببيان موحد. لهذا يكفر كل من يتطرق على الملإ الى شؤون البيت الداخلي كما فعل الرحوي. خيارات ثابتة في الجبهة ثوابت أخرى مهمة منها معاداة النهضة، ومعارضة الحكومة مهما كانت هويتها وتركيبتها وتحميل أطرافها مسؤولية الفشل والمطالبة بمنوال تنموي جديد والتعويل على الإمكانات الذاتية وقطع العلاقة بصندوق النقد الدولي... لسنا بصدد مناقشة هذه الخيارات فلعل منها الجيد ومنها دون ذلك، وما يهمنا أنها خيارات ثابتة مسقطة تم تحديدها على أقل تقدير منذ تأسيس الجبهة سنة 2012 بناء على موروثات أيديولوجية منها ما يقارب القرن فيما يتطور العدو اللدود (حركة النهضة) كل سنة وكل شهر وكل يوم أحيانا. النهضة في المقدمة برلمانيا وبلديا وسياسيا. ولا تفوّت فرصة دون أن تمد يديها إلى ألد خصومها بمن فيهم الجبهة فيما يستغل زياد العذاري الفرصة ليقول مؤخرا: «بقدر ما تزيد عزلة الشاهد بقدر ما يقدم تنازلات للنهضة». لتفادي «الصفر فاصل» في الجبهة يحرّم التجديد والتغيير والتطوير وتمنع المطالبة بأي منها.إذ عليها أن تبقى كما هي بقياداتها وثوابتها وأهدافها وخصومها وحلفائها حتى لو تم اقتلاع هذه الجبهة ووضعها زمنيا في القرن ال22 أو وضعها جغرافيا في جزيرة نائية لم يسمع بها أي تونسي. هذه الطابوهات لم تساعدها على التقدم والدليل في نتائج أول امتحان بعد الانتخابات التشريعية (الامتحان البلدي) وهو أمر مؤسف لأصحابه لا يخفف منه غير نجاحها في الحفاظ على تماسكها بعد 6 سنوات من التأسيس. وهو أمر جيد مقارنة بما حدث ويحدث في العديد من التحالفات (مثل النداء من أجل تونس) وحتى الأحزاب (مثل النداء والمؤتمر). ولكن على الجبهويين أن يحترسوا. فالمطالبة علنا بتغيير الزعامة وتجديد الوجوه وتبادل الاتهامات علنا هي قطر لغيث يمكن أن يتحول إلى فيضان يأتي على الأخضر واليابس من الطابوهات ويهدد الجبهة كلها في كيانها. على من تهمه مصلحة الجبهة من قياداتها أن يضعوا حدا للتشنج وأن يلتقوا مجددا على وضع أهداف وخيارات ومبادئ تتناغم ومتطلبات الواقع وتحول دون إقصاء أي طرف داخليا وخارجيا ومصارحة الأنصار بالأخطاء الماضية إن كانوا معنيين فعلا بانتخابات 2019، وإلا فعليهم من الآن الاستعداد لواقع جديد ينبني بالضرورة على… «الصفر فاصل».