خلافا للسنوات الفارطة، فاق عدد تلاميذ صفاقس المرسمين بالمركز الثقافي الفرنسي الالف تلميذ وتلميذة مما اضطر ادارة المركز ولأول مرة الى كراء مقر جديد للاستجابة الى هذا العدد الضخم من التلاميذ الذين يعتزمون تعلم اللغة الفرنسية. توجه تلاميذ صفاقس بهذه الكثافة الى المركز الثقافي الفرنسي شكل ظاهرة تصدرت حديث المربين والاولياء وخاصة منهم الذين لم يتمكنوا من ترسيم ابنائهم لدراسة اللغة الفرنسية نظرا لتجاوز المركز طاقة استيعابه، كما طرحت سؤالا عميقا حول هذه الظاهرة: لماذا هذا الاقبال على تعلم اللغة الفرنسية والحال ان المنهج التعليمي التونسي يقر تدريس اللغة الفرنسية في المدارس، لكن بداية من السنة الثالثة ابتدائي، مع توفر بعض المعاهد «الحكومية» التي تدرس هذه اللغة وغيرها من اللغات؟ بداية لابد من الاشارة إلى أنه مع بداية هذا العام الدراسي تم التخفيض في مجموع ساعات تدريس اللغة الفرنسية في بعض المستويات من التعليم الابتدائي بالرغم من تراجع مستوى التلاميذ في هذه المادة بعد ان شمل التعريب اغلب المواد. ويبدو أن المربين والاولياء على حد السواء باتوا على قناعة من تراجع مستوى التلميذ في اللغة الفرنسية لذلك يحرص البعض على تدارك هذا النقص بترسيم ابنه او ابنته بالمركز الثقافي الذي يؤمّن 3 ساعات تدريس اسبوعيا مع فتح ابواب مكتبته للمرسمين للمطالعة والبحث والدراسة من خلال الكتب المتوفرة بالفضاء مقابل 160 دينارا سنويا. والواقع ان سعي الاولياء الى ترسيم ابنائهم تزامن مع سعي ادارة المركز الثقافي الفرنسي بصفاقس للتعريف بالخدمات التعليمية والتربوية التي يقدمها من خلال توجه بعض مدرسيه في السنتين الفارطتين الى تدريس اللغة الفرنسية بالمدارس الابتدائية الحرة وحتى ببعض رياض الاطفال بصفاقس بمعلوم 150 دينارا في العام. وبعيدا عن هذا المعطى، يرى طبيب مختص في علم النفس ان اتجاه التلاميذ الى دراسة اللغة الفرنسية بالمركز الثقافي دون سواه يعكس رغبة التونسي في التفتح على الحضارات الاخرى من خلال المربين الفرنسيين أنفسهم، كما قد تعكس هذه الرغبة تفاعل التونسيين واعجابهم بالمواقف الفرنسية المتعاطفة مع العالم العربي وقضاياه الراهنة. ويرى الدكتور النفساني ان الفرنسيين باتوا على يقين من تراجع لغتهم في بعض الدول العربية، لذلك تحرص الادارة الفرنسية على تعليم لغتها لابناء الوطن العربي لاسباب ايديولوجية معروفة، وقد توخت الادارة الفرنسية للغرض سياسة مدروسة تعكس هذه الرغبة سواء من خلال القنوات الفضائية او من خلال قنصلياتها ومراكزها الواقعة خارج حدودها. وإن اقتنعنا جدلا ان تعلم اللغة الفرنسية من الفرنسيين انفسهم قد تؤثر على شخصية الطفل وطريقة تفكيره لاحقا، فإنه يمكن القول أن اتجاه التلاميذ الى دراسة اللغة الفرنسية بالمراكز الثقافية الفرنسية يحتاج الى دراسة سوسيولوجية ونفسية وتربوية عميقة على الاقل لفهم هذه الظاهرة.