لا يكاد زائر سوسة يبتعد بضعة كيلومترات أو ربما مئات الأمتار عن وسط المدينة حتى يكتشف وجها آخر ل «جوهرة الساحل»، وجه عنوانه الفقر والتهميش والحرمان من مقومات الحياة الكريمة. (الشروق) مكتب الساحل سوسة بوصفها ولاية ساحلية تتمتّع بمقوّمات عالية للتنمية. ويتنوّع فيها النسيج الاقتصادي الذي يجمع بين السياحة والصناعة والفلاحة أيضا. فالجهة تُعدّ قطبا سياحيا بامتياز وقطبا صناعيا أيضا يستقطب عشرات الآلاف من طالبي الشغل، وقطبا فلاحيا باعتبارها رائدة في إنتاج زيت الزيتون. وتتوفّر بها مساحات شاسعة غير مستغلة. وتلك واحدة من المعضلات التي تواجهها. وتشهد ولاية سوسة توسعا عمرانيا كبيرا وتدفقا ديمغرافيا خلق حالة من الاكتظاظ وتدنيا في مستوى الخدمات والمرافق التنموية. مؤشّرات ومفارقات من يتحدّث عن ولاية سوسة اليوم كمنطقة «محظوظة» فاته أنّ هذه الولاية تقع اليوم في أسفل سلّم الأولويات التنموية من حيث نوعية المشاريع المبرمجة وحجم الاعتمادات المرصودة. فنصيب ولاية سوسة من المال العمومي المخصص للبلديات المحدثة لا يرتقي إلى نسبة 1 % فقط (7 ملايين دينار من جملة 750 مليون دينار من المنتظر أن ترصدها وزارة الشؤون المحلية والبيئة للبلديات الجديدة) وحظّ الولاية من «المشاريع الكبرى» لا يكاد يُذكر. وحتى المشاريع المعلنة صارت محلّ تجاذبات سياسية كبيرة. ويُخشى أن لا تجد طريقها إلى التنفيذ. وأهمها مشروع إنشاء ميناء المياه العميقة بالنفيضة ومشروع توسعة الملعب الأولمبي بسوسة. ورغم أنّ الولاية تضمّ عدة مناطق صناعية في معظم المعتمديات فإنّ مشاريع تجديد تلك المناطق وتهيئتها وبعث مناطق جديدة تستجيب للطلبات المتزايدة للمستثمرين وللنمو الديمغرافي بالجهة ظلّت معطّلة سنوات. ومنها المنطقة الصناعية الزيات بمساكن والمنطقة الصناعية بالقلعة الصغرى والمنطقة الصناعية بسيدي بوعلي وبوفيشة وغيرها... وقد دعا رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بسوسة علي بن يحيى إلى ضرورة التعجيل بدفع هذه المشاريع التي بات تعطيلها يضرّ كثيرا بالنمو الاقتصادي للجهة. واعتبر بن يحيى أنه من المغالطة القول إنّ ولاية سوسة نالت حظّها من التنمية. وإنّ بناء الدولة كان يقتضي آليا أن تزدهر الصناعة والتجارة والاستثمارات بشكل عام قرب المناطق الساحلية اعتبارا لقربها من البحر. وهو ما ييسّر عمليات التوريد والتصدير. ويخفض من كلفة الإنتاج. وبالتالي يزيد في هامش الربح للمستثمرين. وفي ولاية سوسة أيضا تم تسجيل واحدة من أعلى نسب البطالة على مستوى الجمهورية. وهي 38 % بمعتمدية النفيضة، رغم أنّ هذه المعتمدية تضم مركزا للتكوين المهني ومنطقة صناعية ومطارا وآلاف الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة. الوجه الآخر... بالإضافة إلى هذه المعطيات والمؤشرات فإنّ سوسة، خلافا للانطباع الذي يحمله كثيرون، لا تقتصر على المناطق الترفيهية السياحية والمقاهي الفاخرة والنزل الفخمة والمصانع الكبيرة. بل إنّها تضمّ مناطق لا يكاد يصيبها ضوء الشمس. ويعرف سكانها معاناة يومية لا يمكن تصوّرها. فمناطق مثل سيدي الهاني وأولاد العابد وأولاد عبد الله والصمايدية والغويلات وأهل جميع والبورة وبني ربيعة وغيرها كثير تعيش تحت خطّ الفقر. ولا تكاد تحظى بزيارة مسؤول ولا رجل سياسة إلا إذا تعلّق الأمر بحملة انتخابية. وفي هذه المناطق النائية لا تزال كثير من العائلات تعتمد الدواب في جلب مياه الشرب من الآبار التي تبعد عنها كيلومترات. ولا تزال المسالك الفلاحية التي تسلكها لقضاء شؤونها غير مهيّأة. إذ تكاد تنقطع الطرق تماما مع نزول كميات من الأمطار وتصبح تلك المناطق في عزلة تامة.بل إنّ الأمر لا يختلف كثيرا حتى في الأحزمة الفقيرة المحيطة بمركز ولاية سوسة. فأحياء مثل حي العوينة أو حي التعمير أو سويس أو وادي الحلوف أو الطفالة وغيرها مغرقة في التهميش. ويعاني أبناؤها البطالة وصاروا عرضة للانحراف. ولا تخفى هذه الحقيقة على المسؤولين ونواب الجهة. فقد اعتبر النائب بمجلس نواب الشعب حافظ زواري أنّ التمييز الإيجابي أضرّ بولاية سوسة مشيرا إلى غياب المشاريع الوطنية بها على امتداد السنوات الأخيرة. وتمثّل اجتماعات المجلس الجهوي للتنمية بولاية سوسة فرصة لطرح هذا الواقع الذي بات يكبّل المسؤول عن المطالبة بالمشاريع التي تستحقها منطقته. ويرفع من وتيرة التساؤلات لدى المواطن العادي الذي طال انتظاره للوعود الكثيرة التي تُطلق دون أن يكون لها أثر واقعيا. في سيدي الهاني:عائلة من 5 أشخاص تقطن بكوخ من الأمثلة الحية على حالة الفقر المدقع التي تعانيها آلاف العائلات في مناطق متفرقة من ولاية سوسة عائلة تقطن بكوخ لا يتجاوز حجمه أربعة أمتار على ستة أمتار به أرملة وأبناؤها الأربعة، من بينهم شاب في الثالثة والعشرين من عمره يعاني من مرض مزمن. وقالت الأرملة ل «الشروق» إنها تعيش وضعا مزريا ولا قدرة لها على علاج ابنها ولا على توفير متطلبات أبنائها الأربعة في ظلّ غلاء المعيشة وانعدام مورد رزق قارّ لها، داعية السلط الجهوية والمحلية إلى مساعدتها وتوفير مسكن لها يحفظ كرامتها. أرقام ودلالات 1 % نصيب ولاية سوسة من تمويل الجماعات المحلية 10 مشاريع معطلة بسبب إشكالات عقارية 38 % نسبة البطالة في النفيضة