يشهد قطاع الصيد البحري و تربية الأسماك في ولاية صفاقس تغيرات كبيرة في الفترة الأخيرة و يعاني من مشاكل عديدة و بالمقابل عجزت السلط الجهوية عن تجاوز الصعوبات و العراقيل التي يواجهها البحارة كما فشلت في إعادة هيكلته و تطوير وضعية الموانئ و المراسي في ظرفية تاريخية تميزت بتفاقم ظاهرة الهجرة السرية نحو التراب الإيطالي انطلاقا من سواحل عاصمة الجنوب لما يعانيه العاطلون عن العمل من أبناء المناطق الساحلية و ممن فقدوا مصدر عيشهم جراء أزمة قطاع الصيد البحري بالجهة . بلغ إنتاج الأسماك في البلاد التونسية سنة 2016 حوالي 127 ألف طن بقيمة مالية جملية تقدر بحوالي 830 مليار غير أن البلاد مازالت تستورد نسبة من حاجياتها حيث بلغت قيمة واردات هذه المادة حوالي 147 مليارا سنة 2016 بعدما كانت تستورد بما قيمته 110 مليار فقط سنة 2015 و بالمقابل شهدت قيمة صادرات الأسماك استقرارا حيث بلغت 340 مليار كما تراجع أسطول الصيد البحري من 12868 مركب صيد إلى 12775 مركبا . و يفسر تراجع هذا القطاع وطنيا بعدة أسباب متداخلة أهمها غياب استراتيجية واضحة من طرف وزارة الفلاحة و الصيد البحري مما أثر سلبيا على هذا النشاط بولاية صفاقس التي تحتل مكانة هامة في إنتاج قطاع الصيد البحري . قطاع هام يعاني من صعوبات تراجع إنتاج ولاية صفاقس من الأسماك إلى حدود 21034 طنا بعدما كان في حدود 21180 طنا سنة 2015 كما تراجعت القيمة المالية لإنتاج إلى 165 مليارا بعدما كانت تناهز 172 مليارا . و تساهم عاصمة الجنوب بسدس الإنتاج الوطني من الأسماك و تضم الولاية حوالي 16 ألف بحار يشتغلون بشكل مباشر في قطاع الصيد البحري بنسبة 30 بالمائة من مجموع الناشطين في هذا القطاع على مستوى وطني حيث يساهم في تشغيل حوالي 52 ألف بحار . مما يؤكد مكانة هذا القطاع بالجهة من حيث التشغيل و المداخيل و التنمية ... و تضم ولاية صفاقس 10 موانئ مرخص لها لممارسة بيع و شراء الأسماك موانئ و هي موانئ صفاقس و اللوزة العوابد و سيدي منصور و مليتة و العطايا و القراطن و زبوسة و المحرس و الصخيرة في حين تنتشر حوالي 30 نقطة بيع غير مرخص فيها و موانئ عشوائية على امتداد حوالي 250 كلمتر و تملك الولاية أكبر أسطول بحري ب 3500 مركب صيد الأسماك مجهزة بمحركات يقع استعمالها في النشاط الفعلي من طرف البحارة و حوالي 500 مركب صيد معطبة علما و أن هناك حوالي 3 آلاف عامل يمارسون نشاط صيد الأسماك الساحلي على سفن دون محرك و يمثلون بذلك ما يقارب خمس الناشطين في قطاع الصيد البحري بعاصمة الجنوب . وبالرغم من أهمية نشاط الصيد البحري بولاية صفاقس من حيث التشغيل و توفير مواطن رزق بصفة مباشرة أو غير مباشرة و تزويد السوق المحلية بإنتاج الأسماك إلا أن السلط المجهوية و المحلية و المندوبية الجهوية للفلاحة و الصيد البحري بالجهة مازالت عاجزة عن توفير الظروف الملائمة لتطوير هذا القطاع و ربطه بالتنمية المحلية و سوق الشغل و الظروف المعيشية بسكان المناطق الساحلية و معالجة ظاهرة الهجرة السرية التي تفاقمت في السنوات الأخيرة و جعلت من ساحل الولاية منطلقا للهجرة غير القانونية نحو التراب الإيطالي . أثبت التحقيقات أن معتمديات صفاقس هي الأماكن الرئيسية لانطلاق قوارب الموت نحو جزيرة « لامبادوزة « و مازالت معتمدية جبنيانة و العامرة و بدرجة أقل جزيرة قرقنة تحتضن دون انقطاع عمليات «الحرقة « تحت إشراف أبناء الجهة ممن تبخرت لديه أحلام العيش الكريم في هذا الوطن . و تكشف التقارير الرسمية عن إصرار غريب من طرف الحالمين بمستقبل « مشرق « و عيش كريم في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط حيث يتم تنظيم رحلات دورية بالرغم من المخاطر التي تهدد حياة المهاجرين و لعل آخرها فاجعة جزيرة قرقنة التي أودت بحياة العشرات من الأرواح البشرية . و بلغ عدد المهاجرين خلسة منذ سنة 2011 ما يناهز 48 ألف شخص و تتصدر ولاية صفاقس قائمة المناطق من حيث عدد المهاجرين غير النظاميين بأكثر من 60 بالمائة و هي نسبة مفزعة تؤكد عمق مأساة أبنائها . معالجة فاشلة للأزمة لم تكشف الجهات الرسمية عن خطة حقيقية لمعالجة ظاهرة الهجرة خلسة نحو أوربا و غابت الندوات الفكرية و التغطية الإعلامية للأسباب الكامنة وراء تفاقم هذه الظاهرة و اكتفت السلط الجهوية بالمعالجة الأمنية حيث يتم إحباط ما يقارب 70 محاولة اجتياز الحدود خلسة سنويا . و ترفض الجهات المعنية التطرق إلى واقع التنمية بالمناطق الساحلية و فشلت سياسة وزارة الفلاحة و الصيد البحري في تهيئة الموانئ و المراسي البحرية خاصة بالمناطق الساحلية ذات الكثافة السكانية الهامة بكل من سيدي مصرة بجبنيانة و الكتاتنة و العوابد بمعتمدية العامرة و الشفار و قرقور بالمحرس و الصخيرة ... و ينشد البحار بالمناطق الساحلية النائية الترخيص لهم لبيع منتوجاتهم في الموانئ و المراسي الأقرب لمقر سكناهم خاصة تلك التي تشهد منذ سنوات حركية إقتصادية و برزت بها نواة قرية ساحلية و تضم دكاكين لبيع الأسماك و ساهمت في خلق مواطن شغل لعدة عائلات . و قررت السلط الجهوية في الفترة الأخيرة غلق نقاط بيع غير قانونية للأسماك و أجبر البحارة على التنقل مسافات كبيرة لبيع منتوجاتهم في موانئ مجاورة و أثارت هذه القرارات موجة من الاحتجاجات في صفوف الأهالي خاصة و أن الجهات الحكومية لم تحدث مراسي مجهزة و بدائل تحمي مصلحة البحارة بل اكتفت بمنع تداول و ترويج منتوج الصيد البحري خارج المسالك القانونية . و ساهمت هذه الإجراءات العشوائية في قطع أرزاق مئات العائلات حين عجز البحارة في المناطق الساحلية البعيدة عن الموانئ المرخص لها من بيع منتوجاتهم من الأسماك و يضطرون يوميا إلى التفويت فيها بأرخص الأسعار جراء غياب من يشتري بضاعتهم من تجار الأسماك بالجملة . و مازال المشهد الإقتصادي و الواقع الإجتماعي في قطاع الصيد البحري و الأطراف المتداخلة فيه يشكو من غياب استراتيجية واضحة و خطة ناجعة للنهوض به مما يفتح المجال أمام تفاقم ظاهرة الهجرة السرية نحو أوربا و ارتفاع ضحايا البحر من أبناء ولاية صفاقس ممن امتطوا قوارب الموت و لقوا حتفهم في المتوسط .