التداخل بين «العائلة» و«القصر» وانتصار الرئيس لابنه في كل الصراعات ،معطيات أساسية أفرغت محيط الرئيس الباجي قائد السبسي وتسبّبت في أربع استقالات متتالية في أربع سنوات وبضعة أشهر. تونس الشروق- رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي كان شخصية محورية في الفعل السياسي منذ سنة 2012 ،فمبادرته التي تضمنت تجميع معارضي منظومة الحكم في سنة 2012 من عائلات سياسية مختلفة ،يساريين وقوميين و دساترة وحتى مستقلين ونقابيين ،لكنه بدأ يفقد قدرته على التأثير في محيطه السياسي تدريجيّا إلى ان أصبح على هامش الاحداث. انطلاقة الباجي قائد السبسي ليست متماهية مع نهاية فترة حُكمه التي مازال يفصلنا عنها أشهر قليلة. الباجي الذي كان محاطا بعدد كبير من الشخصيات الوطنية بقي وحيدا حتى ان أقرب المقرّبين منه خيّروا الابتعاد وأسسوا مشاريع سياسية تُحاول ملء الفراغ الذي سيُحدثه خروجه من المشهد السياسي. محسن مرزوق أكثر الشخصيات التي كانت شديدة القرب من الباجي قائد السبسي ،محسن مرزوق فأثناء الحملة الانتخابية التي قام بها الباجي للفوز بالانتخابات الرئاسية كان مرزوق الشخصية المحورية في الحملة وفي الحزب ، وكان أقرب الشخصيات الى الباجي قائد السبسي لكن بعد فوز الباجي سرعان ما تغيّرت المعادلة وابتعد مرزوق عن الباجي وغادر القصر الرئاسي الذي شغل فيه منصب المستشار السياسي للرئيس، بسبب خلافات جوهرية مع حافظ قائد السبسي. مغادرة مرزوق الحزب والابتعاد عن الباجي رافقتها استقالة ثلاثين نائبا من كتلة نداء تونس ،شكلوا كتلة «الحرة» التي تحوّلت تدريجيا لتصبح الذراع التشريعي للحزب الذي أسسه محسن مرزوق رفقة النواب المستقيلين من كتلة النداء وأطلق عليه تسمية «حركة مشروع تونس». رضا بالحاج رضا بالحاج كان أيضا من الشخصيات المحورية في حركة نداء تونس وكان أمين أسرار الباجي قائد السبسي بعد محسن مرزوق. حيث عيّنه مديرا لديوانه الرئاسي واستعمله في حرب حافظ ضد محسن مرزوق حيث اصطف بالحاج خلف حافظ قائد السبسي ،لكن الامر لم يدم طويلا حتى سادت علاقة الرئيس بأمين اسراره برودة تم اختتامها بقطيعة بين الطرفين بعد ان قدم رضا بالحاج استقالته من القصر وغادر النداء. مغادرة رضا بالحاج للحزب كانت نسخة وفيّة في معظم التفاصيل لما حدث مع محسن مرزوق خاصة في الخلاف مع حافظ وتحوّله الى خلاف مع الرئيس ،ثم رافقها أيضا تأسيس لمشروع سياسي وهو حزب «تونس أولا» ضم عددا من الشخصيات التي استقالت من حزب النداء إضافة الى مستقلين. سليم العزابي أما الأمين العام الحالي لحركة تحيا تونس سليم العزابي فقد كان أكثر هذه الشخصيات صمودا حيث بقي فترة أطول (من 1 فيفري 2016 الى غاية 9 أكتوبر 2018 ) وكان فيها العزابي مدير ديوان الرئيس ومن أشد المقربين من الباجي قائد السبسي حتى ان بعض التسريبات أكدت ان الباجي فكّر في العزابي لخلافة يوسف الشاهد على رأس الحكومة عندما اشتدت الازمة بين الباجي والشاهد . سليم العزابي بقي صامدا في موقعه بالرغم من ان فترة ادارته ديوان الرئيس كانت اشد الفترات توترا وتأزما وهي فترة فقد فيها الباجي ثقته في الجميع ،خاصة بعد ان توتّرت علاقته بيوسف الشاهد الذي يعتبر نفسه صاحب الفضل في دفعه لرئاسة الحكومة ،لكن انتهى صمود العزابي بتقديم استقالته والانسحاب من قصر الرئيس بعد أن أحس أنه أصبح مجرد ديكور في القصر وانقطعت علاقته بالباجي. خروج العزابي واستقالته كانت أيضا نتيجة تصنيفه في خانة المتعاطفين مع يوسف الشاهد الذي جمعه خلاف شديد مع حافظ قائد السبسي ثم تطور الخلاف ليصبح توتّرا بين يوسف والباجي ،وبالتالي فان استقالة سليم العزابي كانت نتيجة لتوتّر علاقته بالرئيس والتي كانت في حد ذاتها نتيجة لتوتّر علاقة العزابي بابن الرئيس. العزابي أيضا كان خروجه للبقية ،حيث أسس رفقة عدد من المستقيلين من النداء وشخصيات أخرى تنتمي الى عائلات سياسية مختلفة ،حركة مشروع تونس. سلمى اللومي سلمى اللومي هي آخر المنسحبين وهي من الشخصيات التي لم تبق فترة طويلة في منصب ديوان الرئيس (من 22 أكتوبر 2018 الى 12 ماي 2019 ) وغادرت سلمى اللومي القصر الرئاسي بعد الإشكاليات التي رافقت مؤتمر النداء حيث انقسم الندائيون بين «مجموعة الحمامات» التي تدفع في سياق شرعية مواصلة الاشغال في الحمامات وكل ما افرزته جلساتها ،و «مجموعة المنستير» التي تدفع في سياق شرعية إتمام الاشغال في المنستير واختيار حافظ قائد السبسي رئيسا للجنة المركزية. سلمى اللومي كانت من ضمن الشخصيات التي رغبت في الالتحاق بمجموعة الحمامات. لكنها واجهات صعوبات وخلافات مع الرئيس الذي اجبرها على الاستقالة ان ارادت الالتحاق بهذه المجموعة ،في حين لم يجبر مستشارين آخرين ذهبوا الى المنستير ،على الاستقالة . اللومي قرّرت مغادرة القصر ومن المنتظر ان تتزعم حزب النداء في الفترة القادمة. تداخل العائلة والقصر كل الشخصيات التي اقتربت من الباجي قائد السبسي قرّرت الرحيل بعد أن تداخل المعطى «الوظيفي» بما هو «عائلي» فالخلافات التي جمعت هذه الشخصيات بحافظ قائد السبسي تسبّبت في توتر علاقتهم بالباجي الذي ينتصر لابنه في كل المرات بالرغم من إعلانه اكثر من مرة انه لا يرغب في فرض ابنه بالقوة في حزب النداء . هذا التداخل بين «العائلة» و«الحزب» و«القصر» دفع العديد من الشخصيات التي كانت ركائز أساسية في حزب النداء الى مغادرة هذا الحزب ،ورافق عملية مغادرتها تأسيسها لمشاريع سياسية وهو ما يؤكّد أنه إضافة إلى اعتبار الخلاف مع حافظ احد أسباب مغادرة القصر،فإن الوعي بأن الباجي قائد السبسي «انتهى سياسيا» هو احد الأسباب الأساسية التي دفعت المغادرين الى تشكيل أطر حزبية جديدة لملء الفراغ. فقدان الشعبية الخلافات الحاصلة داخل حزب النداء وانتصار الرئيس المؤسس للحزب لابنه جعل الحزب يفقد الكثير من شعبيته وتراجع ترتيبه فبعد أن فاز في الانتخابات التشريعية الماضية ب86 مقعدا في البرلمان أصبح عدد نواب كتلته لا يتجاوز ال40 حاليا. كما ان مؤسسات سبر الآراء ترتبه الثاني أو الثالث في نوايا التصويت في الانتخابات القادمة.