إنّ معاودة الصّيام بعد الصّيام علامة على قبول صوم رمضان فإنّ الله تعالى إذا تقبّل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها فمن عمل حسنة ثمّ أتبعها بسيّئة كان ذلك علامة ردّ الحسنة وعدم قبولها. فالمسلم إذا عزم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصّيام فصيامه عليه مردود وباب الرّحمة في وجهه مسدود. قال كعب رحمه الله تعالى: من صام رمضان وهو يحدّث نفسه أنّه إذا أفطر رمضان أن لا يعصي الله دخل الجنّة بغير مسألة ولا حساب، ومن صام رمضان وهو يحدّث نفسه أنّه إذا أفطر عصى ربّه فصيامه عليه مردود. إنّ الأعمال التي كان العبد يتقرّب بها إلى ربّه في شهر رمضان لا تنقطع بانقطاع رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيّا. قال تعالى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر 99) وللأسف كثيرا من النّاس عن جهل أو عن علم يفرحون بانقضاء شهر رمضان لاستثقال الصّيام وملله وطوله عليهم، ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصّيام سريعا. ولكن العائد إلى الصّيام بعد فطره يوم الفطر يدلّ عوده على رغبته في الصّيام وأنّه لم يملّه ولم يستثقله. أخرج الترمذيّ مرفوعا: أحبّ الأعمال إلى الله الحالّ المرتحل. و المحبّ لا يملّ من التقرّب بالنّوافل إلى مولاه، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال : من صام رمضان ثمّ أتبعه ستا من شوّال كان كصيام الدّهر . (رواه مسلم) فصيام رمضان وإتباعه بست من شوال يعدل صيام الدهر لأنّ الحسنة بعشر أمثالها وقد جاء ذلك مفسرا فيما أخرجه أحمد وابن حبان والنسائي في الكبرى من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: صيام رمضان بعشر أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة. وصيام شوال وشعبان كصلاة السّنن والرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإنّ الفرائض تكمل بالنّوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ، وأكثر النّاس في صيامه للفرض نقص وخلل يحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال. ولهذا نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أن يقول الرّجل: صمت رمضان كلّه أو قمته كلّه. وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول من لم يجد ما يتصدّق به فليصم بعد الفطر فإنّ الصيام يقوم مقام الإطعام في التكفير للسيّئات كما يقوم مقامه في كفارات الأيمان وغيرها من الكفارات مثل كفارة القتل والوطء في رمضان والظهار. ويستحبّ صيام ستة أيّام من شوال وذلك من أوّل الشهر متتابعة وهو قول الشافعي وابن المبارك، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: من صام ستة أيّام من الفطر متتابعة فكأنّما صام السّنة. (خرجه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني) وقد ذكر أهل العلم أنّه لا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها من الشهر وهما سواء.