التقى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، بأستاذه محمد عبد الوهاب في كثير من الألحان، منها رائعة «فاتت جنبنا» كلمات حسين السيد، و»نبتدئ منين الحكاية» كلمات محمد حمزة، و»أهواك» كلمات حسين السيد، وغيرها من الروائع العاطفية والوطنية. لم يكن يدر في ذهن أي كان... ان يختار اعتزال الغناء وهو في أوج الابداع الفني والعطاء... كان قراره مفاجأة للجميع دون استثناء وتعددت المحاولات لإثنائه عن هذا القرار.. غير ان إصراره كان أكبر كان ذلك أوائل ستينات القرن الماضي عندما استقر رأي المطرب الخالد محمد عبد الوهاب على اعتزال الغناء والتفرّغ كليا للموسيقى والتلحين للعديد من الأصوات التي وجدت في موسيقاه طريقا معبدة.. طريقا سالكة للمجد الفني والخلود الموسيقي: فائزة أحمد، نجاة الصغيرة، عبد الحليم حافظ... والقائمة طويلة. قرر محمد عبد الوهاب التفرّغ للتلحين.. قرار لم يتراجع عنه.. قرار امتد على طول ربع قرن ليجد نفسه أو قل إنها الضرورة دفعته الى العودة الى الغناء بعد صمت امتد على طول 25 سنة.. وكان آخر لحن يعده ولم يتوقع انه سيقدمه بنفسه... أغنية مثلت حدثا فنيا فريدا في الوطن العربي... وقد تسابقت كل الاذاعات على الفوز به وبثه أكثر من مرة في اليوم الواحد وكان ذلك في صائفة 1989 «من غير ليه» التي لم يسجلها العندليب انه القدر الذي شاء أن لا يؤدي عبد الحليم حافظ «من غير ليه»... وإنه القدر الذي شاء أن تكون هذه الاغنية هي النص الوحيد للشاعر مرسي جميل عزيز الذي يلحنه عبد الوهاب ويقدمه بعد 12 سنة من تلحينه بصوته... لقد تحققت أمنية مرسي جميل عزيز في أن يلحّن له عبد الوهاب أحد نصوصه.. لحن شاء القدر أن «يدفن» في الرفوف طيلة 12 سنة ليقرر بعد ذلك عبد الوهاب وبعد مفاوضات عسيرة مع الاصدقاء نفض الغبار عنه وتقديمه للجمهور. تعددت الاتصالات بمحمد عبد الوهاب لإقناعه بضرورة «إطلاق سراح» «من غير ليه» اتصلت به وردة الجزائرية.. هاني شاكر... لكن الرفض كان قطعيا لا رجوع فيه أو عنه. شدا محمد عبد الوهاب ب«من غير ليه».. غنّاها بكل جوارحه.. كأنه يطفئ ظمأ 25 سنة من الابتعاد عن الغناء أعطاها كل مهجته... قدم خلالها درسا بليغا في الموسيقى والغناء والتصرف بحرفية عالية في المقامات التي حفلت بها «من غير ليه» التي انطلقت في الأفق العربي لتصبح من الخوالد في المدوّنة الغنائية العربية. (يتبع)