تونس (الشروق) الانتخابات في كل الديمقراطيات هي محطة لتجديد المنوال التنموي والاقتصادي أو تحسينه أو الحفاظ عليه ان كان ناجحا لكن هل نعتمد نفس القاعدة في تونس؟ وهل ان المواطن وقضاياه بالفعل هو جوهر تلك العملية الانتخابية؟ سواء ان اطلعنا على التجارب العريقة في البلدان الديمقراطية وخاصة الاوروبية منها أو بالعودة الى موروثنا السياسي لمن ناضلوا من اجل الديمقراطية ستكون لنا القدرة على المقارنة اليوم بين ما يقدمه السياسيون وماهو مطلوب شعبيا واقتصاديا واجتماعيا فهي ليست بالعملية المعقدة خاصة في مرحلة الانتخابات. الوضوح ضروري للاختيار تقوم التجارب الديمقراطية او تتمحور أساسا على دور المواطن الذي تعود اليه سلطة القرار بشكل دوري في الانتخابات ليحدد ان كان سيجدد الثقة في المنوال التنموي والاقتصادي والاجتماعي الذي يحكمه او يقوم بالتغيير وهو ما يجعل تلك المرحلة محطة للتنافس بين مختلف التيارات الفكرية وخاصة الرئيسية في البلاد من اجل اقناع الناخبين. وحتى بعيدا عن الانتخابات فان الاستفتاء أمر طبيعي في الدول الاوروبية وتكاد تجرى بشكل دوري في عدد من البلدان وتنبع تلك الممارسة من قناعة راسخة بدور المواطن وقدرته على تقرير مصير بلاده وقدرته أيضا على تحديد أي التوجهات السياسية الاجتماعية أو الاقتصادية التي تناسبه في تلك المرحلة. وفي تونس لنا الكثير من الكتابات في هذا الصدد أيضا منها كتاب الرئيس الراحل محمد الباجي قائد السبسي "الحبيب بورقيبة: المهم والأهم" وغيرها من الموروث الذي مثل مراجع في الفكر السياسي والتحليل وتقييم أداء النخبة السياسية. وبمناسبة الحملة الانتخابية التي انطلقت منذ ثلاثة ايام كان من الضروري ان نحاول المقارنة بين قضايا المواطنين الحقيقية والتي هي معلومة لدى الجميع وما يطلقه السياسيون من وعود وبرامج انتخابية وكذلك ادائهم في هاته الحملة. وفي هذا السياق فان الجميع يقر بعجز نخبنا السياسية عن وضع منوال تنموي اقتصادي واجتماعي فعلي للبلاد منذ سنة 2011 وهو ما تسبب في تراكم العديد من الازمات وتطورها ما اثر على أغلب القطاعات في البلاد. مشاكل المواطن التونسي ليس مجرد أرقام في الميزانية أو تعقيدات ادارية وانما هي تحولت الى حياة يومية ومنها غياب العدالة الاجتماعية وضعف آلية الضمان الاجتماعي وزيادة الى المصاعب المالية التي تمر بها هي في حد ذاتها تردي الخدمات الصحية حتى وصلنا مرحلة فقدان الادوية الاساسية ووقوع كوارث نذكر منها قضية الرضع الى جانب تدهور البنية التحتية حتى اصبحنا نخشى هطول الامطار في أغلب المناطق من الجمهورية مثلما اصبحنا نخشى خروج القطار عن السكة في كل يوم. مشاكل المواطن التونسي اليومية هي ايضا تردي النقل العمومي وتراجع التعليم العمومي وغياب التوازن الجهوي واهمال التمييز الايجابي لفائدة الجهات المحرومة ربما لان كل الجهات أصبحت تصنف محرومة. الأهم قبل المهم مشاكلنا منذ سنوات هي غلاء الاسعار وانهيار الدينار وعجز الطلبة التونسيين بالخارج عن مواصلة مشوارهم الدراسي وعجز الصادرات عن تحقيق التوازن مع الواردات وتراجع قدرة شركاتنا التنافسية مع فتح الابواب لكل السلع الاجنبية التركية والصينية وغيرها وحتى المسلسلات التركية اخذت نصيبها بالعملة الاجنبية. مشاكل التونسي هي تراجع المقدرة الشرائية وتزايد المضاربة بقوت المواطنين، هي أيضا اهمال النظافة والبيئة والثقافة، هي أيضا غياب التضامن الاجتماعي في زمن عجزت فيه الكثير من العائلات عن توفير قوت أبنائها وعن تحمل تكلفة العودة المدرسية وعن توفير النقل لهم خاصة في المناطق الداخلية. مشاكل المواطن التونسي في تفاقم مستمر لكن ان كان هناك مكسب تحقق من خلالها فهو انها بينت ان أحزابنا متشابهة الى حد كبير ولم نعد نفرق بين من يحمل الفكر الاشتراكي او الشيوعي او اللبرالي فوعودهم الانتخابية متشابهة وحتى عندما حكموا كانوا معا بلا رؤية حقيقية واليوم أيضا أغلب البرامج متشابهة تضع الاصبع على الداء لكن لا تقدم الدواء والحل الانجع لمعالجة تلك القضايا. أخيرا نعود الى ما قاله الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ففي المرحلة القادمة سيكون من الضروري معالجة الأهم قبل المهم والاهم هو منح المواطنين جرعة اكسجين بتحسين أوضاعهم بكل الوسائل الممكنة خاصة على مستوى المعيشة والمهم هو وضع رؤية حقيقية للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي متوسطة المدى لانقاذ ما يمكن انقاذه من القطاعات التي تضررت. كما لابد ان ننبه الى ضرورة ان تبتعد الأحزاب عن الخوض في مسائل وقضايا جانبية أو كما أسماها الباجي "القشور" والتوجه مباشرة الى اللب وهو القضايا التي تمس حياة المواطنين ومعيشتهم ومعيشة أبنائهم وتهم ايضا مستقبل البلاد ومصيرها.