مثل خطاب أداء اليمين الدستوري لرئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيد أمس حدثا وطنيا ودوليا حيث قدم صورة أكثر وضوح عن الرئيس وأفكاره بعيدا عن الجو الانتخابي. تونس «الشروق» قدمت تونس يوم امس صورة جديدة للعالم صورة تضاف الى الصور المشرقة التي نحتتها تونس على درب ارساء نظامها الديمقراطي وكانت محطة لترسيخ التداول السلمي على السلطة في كنف التحضر والرقي لا تقل اهمية عن ما يحصل في اعرق الديمقراطيات في العالم. صور خالدة ولعل من أبرز ما ميز جلسة أداء اليمين تلك الصورة التي جمعت مفتي الجمهورية بممثلين عن الديانة المسيحية رئيس الأساقفة بتونس والديانة اليهودية كبير الاحبار بتونس وهي أول مرة يجتمع فيها ممثلون عن الديانات الثلاث في جلسة اداء اليمين الدستورية وكانت بتعليمات من الرئيس المنتخب الذي حرص على حضورهم للجلسة. وكانت ابرز النقاط التي ميزت خطاب قيس سعيد اولا المنهجية التي اعتمدها لخطابه حيث انطلق من الظرفية الفكرية والثقافية التي اتت به الى ذلك المنصب والتي سماها بالثورة باعتماد الوسائل الشرعية من اجل الكرامة والحرية ثم تطرق الى ملف مقاومة الارهاب والجريمة والفساد وبعدها مسالة الفقر اضافة الى التاكيد على حماية القانون ومنع اي عمل خارج اطار القانون ثم التاكيد على حماية الحريات طالما كانت في اطار الشرعية الى جانب حماية حقوق المراة ومزيد تدعيمها. وتطرق الرئيس بعدها الى مسالة العدالة الاجتماعية وفي هذا السياق تطرق الى الحديث عن المنظمات الوطنية وكيف انها يمكن ان تكون قوة اقتراح ولهم القدرة على تقديم الحلول لتجاوز كل الأزمات ولعل ما ميز هذا الخطاب هو انه حاول الارتقاء أكثر ما يمكن بصورة المواطن التونسي حيث صوره على انه المواطن الذي يفتدي وطنه بالدم والمال والعمل ويسعى الى احترام القانون وتطبيق العدل والمساوة في التعامل بين كل المواطنين وبين المواطنين والدولة . كما أكد قيس سعيد في خطابه على ان وجود الدولة التونسية واستمراريتها ليسا محل نقاش او يحتاجان الى ادلة من كل رئيس جديد وذلك في اطار تجديده الالتزام بكل المعاهدات الدولية مع الحرص على تطويرها في الاتجاه الذي يراعي مصالح كل الاطراف. وفي الشان الدولي أيضا كان موقف رئيس الجمهورية واضحا جدا من الصفقات التي تبرم حول القضية الفلسطينية واخرها صفقة القرن حيث اعتبر ان تلك الصفقات لن تنجح في فسخ القضية الفلسطينية من صدور التونسيين وهو موقف جريء الى حد كبير مقارنة بمواقف حتى الدول المناهضة لصفقة القرن. ... ولكن وتعهد سعيد في الاخير بان يكون الضامن لوحدة تونس والحامي لاستقلالها واستمراريتها وان يسهر على احترام دستورها وان يكون جامعا لكل التونسيين وان يعلو فوق كل الصراعات الظرفية والضيقة.وبالرغم من ان جلسة أداء اليمين الدستوري لرئيس الجمهورية وخطابه قدما الكثير من الصور الايجابية كانت هناك الكثير من النقائص خاصة في الخطاب حيث ورغم انه بني بشكل منهجي على محاور واضحة لكن تم التعامل معها بشكل شعبوي لا كخطاب لرئيس جمهورية فيه مواقف ووعود او التزامات واضحة. وفي هذا السياق فان الرئيس اتجه الى ما يمس مشاعر الناس وبشكل أيضا مدروس لمداعبة مشاعر عامة الناس سواء في مسالة العدالة الاجتماعية او قضية فلسطين او محاربة الفساد وحتى في مسالة الحريات كان من المفترض ان يكون خطابه في إطار استمرارية الدولة التي تحدث عنها ويقدم رؤيته لتطوير تلك الحريات. وما غاب عن خطاب الرئيس أيضا هو اهم صلاحياته وهي قد تساهم الى حد كبير في الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وهي الدبلوماسية الاقتصادية التي تجاهلها تماما واكتفى بالتعهد بعدم المس بالاتفاقات السابقة في حين ان المطلوب هو تسخير الدبلوماسية الاقتصادية لمعاضدة الجهود الوطنية للخروج من الازمة. وفي هذا السياق لم يقدم الاستاذ قيس سعيد مواقف من العديد من القضايا الدولية المهمة والتي تمس تونس مباشرة منها الملف الليبي والملف السوري وحتى الجارة الجزائر في حين اقتصر خطابه على الاشارة باقتضاب لاوروبا التي يمثل حجم مبادلاتنا معها 80 بالمائة من إجمالي مبادلاتنا الخارجية وافريقيا ايضا كانت مجرد اشارة عابرة. اذن يمكن ان نقول ان الخطاب في مجمله ارتكز على عموميات ولم يقدم مبادرات فعلية في أي من القطاعات التي تهم صلاحيات رئيس الجمهورية الداخلية والخارجية كما انه لم يتعمق في تحديد مقترحات عملية للازمة الاقتصادية التي تعد الهم الاول للمواطن التونسي اليوم.