اتجهت الانظار مساء أمس إلى قصر قرطاج بالتوازي مع استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيد لرؤساء الاحزاب صاحبة الكتل الرئيسية في البرلمان والتي تمحورت أساسا حول شكل وطبيعة الحكومة القادمة. تونس – الشروق- استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، عشيّة أمس الجمعة بقصر قرطاج، كل من راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة ونبيل القروي رئيس حزب قلب تونس ومحمّد عبّو الأمين العام لحزب التيّار الديمقراطي... وبذلك يكون الغنوشي والقروي وعبو أول الضيوف التونسيين لسعيّد في قصر قرطاج. وكان رئيس الجمهورية قد استقبل اول امس بمقر إقامته بجهة المنيهلة الامين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي ورئيس المكتب السياسي سالم الابيض. حكومة كفاءات بلا محاصصة ووفق ما اوردته رئاسة الجمهورية فإن رئيس الدولة شدد في لقائه مع نبيل القروي على ضرورة تغليب جميع الأطراف للمصلحة الوطنية والتسريع بتكوين حكومة جديدة تنكب على إيجاد الحلول اللازمة للقضايا الاقتصادية والاجتماعية الحارقة وتلبّي آمال شعبنا في الشغل والكرامة الوطنية، بعيدا عن كل أشكال المحاصصة الحزبية وفي إطار الاحترام التام لمقتضيات الدستور. كما جدّد رئيس الدولة في لقائه براشد الغنوشي التأكيد على دوره الجامع لكلّ التونسيين والضامن لوحدتهم خدمة للمصلحة الوطنية، مُشددا على أهمية اعتماد معيار الكفاءة في تكوين الحكومة الجديدة وتقديم برنامج في مستوى طموحات التونسيين، بعيدا عن كل المحاصصات الحزبيّة. وفي لقائه بمحمد عبو أكّد رئيس الجمهورية تصوّراته المتعلّقة باحترام الدستور وحماية الحقوق والحريات وإيمانه العميق بأن بلادنا يمكن أن تتغيّر نحو الأفضل بتظافر جهود جميع الوطنيين الصادقين. استعداد للتعاون رئيس حزب نبيل القروي أكد لرئيس الجمهورية أن حزبه داعم له ولكل المبادرات التي تخدم الصالح العام وعبّر عن أمله في أن تكون العهدة الرئاسية ناجحة اقتصاديّا واجتماعيّا وأن يتمّ التسريع بتكوين حكومة جديدة مدعومة بأكبر حزام سياسي ممكن لمواجهة تحديات المرحلة القادمة. أما رئيس النهضة راشد الغنوشي فقد ذكر أن اللقاء مثّل مناسبة للتأكيد على أهمية التفويض الكبير الذي حظي به من الناخبين التونسيين و على أهميّة هذه الشرعيّة الواسعة في جمع كلمة التونسيين وإعطاء مزيد من الأمل للشباب. وأضاف أنّه أطلع رئيس الدولة على النتائج الأولية للمباحثات التي أجراها حزب حركة النهضة مع عدد من الأحزاب والمنظمات الوطنيّة في إطار تكوين الحكومة الجديدة. وأفاد محمد عبّو أنه قدم مقترحات حزبه للمرحلة القادمة، مشدّدا على مساندته لرئيس الجمهورية قيس سعيد باعتباره رئيس كل التونسيين ورمز وحدتهم. وكانت حركة الشعب قد أعلنت في بيان لها أول أمس أنّ الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي و عضو مكتبها السياسي سالم لبيض إلتقيا برئيس الجمهورية قيس سعيد بمقر اقامته مساء الاربعاء وذكر البيان أنّ اللقاء تناول الوضع العام بالبلاد والقضايا والملفات المطروحة على الساحة الوطنية ومقاربة حركة الشعب للعمل البرلماني والحكومي والعلاقة مع مؤسسة رئاسة الجمهورية. وضع صعب وانتظارات هذه اللقاءات التي جمعت أمس وأول أمس رئيس الجمهورية بالمكونات البرلمانية ذات الاغلبية الهامة يمكن اعتبارها خطوة هامة من الاطراف الفاعلة اليوم في البلاد نحو التأسيس للمرحلة السياسية القادمة على مستوى منظومة الحكم من خلال مزيد تقريب وجهات النظر والتصورات المختلفة لشكل ومضمون العمل الحكومي للمرحلة القادمة. الثابت أن البلاد تمر بوضع صعب على أكثر من مستوى وتعيش في الأيام الاخيرة حالة ارتباك ومخاوف بسبب عملية تشكيل الحكومة وما قد يتبعها من مخلفات سلبية قد تصل حد العجز عن التوافق او حد إعادة الانتخابات. وعلى صعيد آخر فان أغلب المراقبين يتفقون اليوم على ان سقف انتظارات التونسيين بات عاليا للغاية في ظل ما رافق الانتخابات الاخيرة من وعود ومن انتخاب لرئيس الجمهورية بنسبة مشاركة قياسية للناخبين. وهو ما أصبح يؤكد ضرورة التوافق بين مختلف الاطراف الفاعلة على حكومة يرى كثيرون أن الشكل الافضل لها هو حكومة انقاذ وطني تشارك في عضويتها كفاءات يقع المزج فيها بين المستقلين التكنوقراط وبين الكفاءات المتحزبة أو المسيّسة. حكومة انقاذ وطني.. وكفاءات ويتفق المختصون على أن ما قام به قيس سعيد من لقاءات بمختلف المكونات البرلمانية البارزة يمكن ان يمثل خطوة مهمة نحو التوافق بين مختلف الفرقاء على شكل هذه الحكومة حتى تكون محاطة بحزام سياسي هام في البرلمان وتقدر على تنفيذ برنامجها واصلاحاتها وعلى تمرير القوانين بعيدا عن كل اشكال التعطيل التي لاقتها حكومة الشاهد خاصة في فترتها الاخيرة وعانت منها قبل ذلك حكومة حبيب الصيد وهو ما تسبب في تفاقم عديد الاوضاع نحو الأسوإ. ومن جهة اخرى وجب التأكيد أيضا على أن يكون مضمون عمل هذه الحكومة في المستوى المطلوب من خلال برنامج يلبي انتظارات الناس ويستجيب لمطالبهم العاجلة في الشغل والكرامة الوطنية على حد قول قيس سعيد وتكون في الآن ذاته بعيدة عن المحاصصة الحزبية او محاولة تصفية الحسابات بين الاحزاب او الميل نحو الانفراد بالحكم او التغول. لكن من جهة أخرى شدّد قيس سعيد على ان تكون هذه الحكومة في إطار احترام مقتضيات الدستور ( الفصل 89) الذي يعطي للنهضة حق اختيار الشخصية المناسبة لتشكيل الحكومة. وقد سبق لراشد الغنوشي أن اكد أنه إذا اقتضت المصلحة الوطنية أن يكون رئيس الحكومة مستقلا فان النهضة لا تمانع في ذلك، والثابت أن المصلحة الوطنية كانت حاضرة في ما وقع طرحه أمس خلال اللقاءات المذكورة بين رئيس الجمهورية والشخصيات الحزبية.