دخلت بلادنا مرحلة حرجة في مواجهة وباء "كورونا" الذي وصل الدرجة الرابعة والأخيرة والتي تعدّ بالغة الخطورة وتتميز بالانتشار السريع للوباء، في وقت تغيب فيه عن الحكومة خطة استراتيجية لمجابهة هذا العدو. بمنطق صراع الصلاحيات والمحاصصات والتحوير أولى من تقرير المصير، ظلّت هاته الحكومة حبيسة الأفق الضيّق للعبة السياسية ولعبة البقاء بأي ثمن، بينما كان الوباء يزحف بلا حسيب أو رقيب. ويبدو أنها هي نفسها-أي الحكومة- أول المصابين بهذا الوباء، فلا قدرة لها على التنفّس سياسيا ولا طاقة لها في الذهاب بعيدا الى اجراء اصلاحات جذرية ولا قدرة لها على تحمّل المسؤولية كاملة وبكل جرأة. يقول المنطق السليم أن الوقاية خير من العلاج، لكن في هذا البلد الذي تتقاذفه الأهواء السياسية، لا الوقاية تم فرضها ولا العلاجات تم جلبها او حتى رصدها، وكأن المراد قوله الى هذا الشعب، واجه مصيرك وحدك. فأن يعلن رئيس قسم الأمراض الصدرية في مستشفى "شارل نيكول" الدكتور هشام عوينة، أن الوضع الوبائي في تونس أصبح حرجا جدا، وأن هناك شخص يتوفى بسبب فيروس كورونا كل 25 دقيقة يوميا، فذلك معناه أن المصاب جلل. كما أن المرور الى مرحلة الاختيار بين الحالات التي تستوجب النقل الى قسم الإنعاش، هو أمر خطير يعني الدخول في معركة شرسة وحاسمة مع هذا الوباء الذي استفحل بشكل كبير وسط المجتمع. كل هذا المستوى من الخطر تقابله ضبابية وارتجالية لدى أصحاب القرار، ولا ندري هل الحجر الشامل هو القرار المنتظر أم الحجر الموجّه؟ في اجتماع اللّجنة العلمية المنتظر اليوم. في كلتا الحالتين يبدو الأمر مؤلما، فإقرار حالة الحجر الصحي الشامل الذي لا يجب أن يقل عن أسبوعين، سيكون بمثابة توجيه ضربة قاضية لاقتصاد يترنّح بطبعه ووضع اجتماعي هش قد يفجّر غضبا عارما يكسر هذا القرار. أما الحجر الصحي الموجّه فيتطلّب خطة واضحة وشاملة للمناطق المعنية به من حيث توفير كل احتياجاتها الضرورية خاصة لمن سيصبح عاطلا عن العمل ولا دخل له أو لعائلته. في الحقيقة لا يمكن تحميل الحكومة وزر مواجهة هذا الخطر وحدها وان كانت تتحمّل أغلب المسؤولية، فالمنطق يقول أنه عند مواجهة أي عدو مشترك، الجميع مسؤول. ولكن للأسف لا الساسة الذي يتناحرون منذ عشر سنوات على المناصب لا غيرها مسؤولون، ولا المواطن الأناني الغير واع الذي لا يهمّه الا نفسه مسؤول، ولا المنظمات الوطنية مسؤولة. كل هذا الشتات والصراع العبثي الذي تقوده فقط المصالح الضيقة، هو خير وجبة لأي عدو متربّص ووباء الكورونا أولهم الذي وجد أرضية خصبة من جميع الأطراف ليتغلغل ويستفحل كما يشاء. بدرالدّين السّيّاري