عندما نتأمل في الدين الاسلامي نلاحظ انه يراعي مصالح العباد في كل مكان وكل زمان، ويخاطبهم بلغة عصرهم حتى يستطيعوا ان يعرفوا المطلوب من غير المطلوب. ففي قوله تعالى : {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الأسود»... الآية، يتبين لنا ان الله يريد ان يبين للأمة بداية الامساك في الصيام، ولكن بما ان وسيلة التنبيه آنذاك لم تكن مدفعا ولا ساعة ولا جرسا فإن الله تعالى أرشدهم الى شيء سهل الاستخدام وهو استخدام الحواس مع الطبيعة. ومع ذلك نجد من لا يستطيع فهم المقصود، يذهب فيعمد الى اجتهادات خاطئة مثل ما فعل عدي بن حاتم عندما أخذ عقالين أسود وأبيض ووضعهما عند رأسه او تحت وسادته وصار ينظر اليهما ليتبين له الابيض من السود، ولم يتبين له ذلك طبعا الا بعد ان طلع الفجر ومضى عليه وقت طويل. ثم لما علم الرسول ص ذلك قال له : ان وسادك عريض، ومعنى الآية ليس كما فهمت يا عدي، وانما المراد طلوع الفجر ذهاب سواد الليل ومجيء بيضا النهار. يقول الشيخ محمد علي الصابوني في تفسيره «صفوة التفاسير» نقلا عن الشريف الرضي : الخيط الابيض والخيط الاسود استعارة عجيبة، والمراد بها بياض الصبح وسواد الليل، والخيطان هنا مجاز، وانما شبههما بذلك لأن بياض الصبح يكون في أول طلوعه مشرقا خفيا، ويكون سواد الليل منقضيا موليا، فهما جميعا ضعيفان الا ان هذا يزداد انتشارا وهذا يزداد استسرارا. ويذكر الشيخ طنطاوي جوهري في تفسير الجواهر عن سهل بن سعد انه قال لما نزلت الآية : «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود» ولم ينزل قوله تعالى : «من الفجر» ذهب رجال اذا أرادوا الصوم الى ان يربط أحدهم في رجله الخيط الابيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله قوله تعالى من الفجر، فعلموا انه يعني الليل والنهار. ان هذا يعني ان التدرج في تعليم الناس مطلوب، والاخذ بوسائل العصر مطلوب أيضا، وقد رأينا كيف تدرجت الآيات مع الصحابة. يا ترى لو كانت الساعات المراصد موجودة أكان الناس يعتمدون على العقال الابيض الاسود؟ كلا. وهناك يلفت نظرنا أمر وهو ان الصحابة كانوا يتكلفون في العمل ويتحملون المشاق في سبيل أداء الفرائض على الوجه الأدق رغم قلة الامكانات، كل ذلك من أجل ابتغاء رضا الله.