جدل كبير يكاد يتحوّل الى انقسام بين التونسيين في علاقة بالتعامل مع المهاجرين الافارقة غير النظاميين المقيمين ببلادنا بصفة غير شرعية. شحن وتعبئة من هنا وهناك واتهامات متبادلة بين الطرفين وحالة من الخوف تنتاب الافارقة القادمين من عديد بلدان جنوب الصحراء، بمن في ذلك المقيمين بصفة قانونية ، خشية الترحيل أو الاعتداء عليهم من قبل المواطنين أو من قوات الأمن. البعض رآها حملة عنصرية وهي في الأصل تطبيق للقانون ضد بعض المقيمين في بلادنا ، سواء دخلوها بصفة قانونية أو باجتياز الحدود البرية والبحرية خلسة ، وهو اجراء اداري وأمني معتمد في كل بلدان العالم ، ولا يثير تطبيقه كل هذا الجدل ، بل أن التونسيين كانوا ضحاياه في عديد البلدان، ولم يتحرك أحد من أجلهم. وفي الحقيقة لا يمكن أن ينكر أحد أن ظاهرة الافارقة القادمين من جنوب الصحراء أصبحت مقلقة نتيجة تكاثر عددهم في كل جهات البلاد تقريبا، وحصل تنافر بينهم وبين التونسيين بسبب اختلاف العادات والتقاليد ونمط العيش، لكنه لم يتحول الى تصادم عنيف أو اقصاء ممنهج، بل حصل تعايش ومقبولية، رغم وجود حالات من العنف والانحراف من الطرفين لا يمكن تعميمها . إن ما يحدث اليوم تتحمّل مسؤوليته الأولى الدولة ، بمختلف أجهزتها، لأنها تراخت في تطويق الأزمة ومنع توسّعها الذي انطلق إبان الأيام الأولى للحرب في ليبيا في فيفري 2011، واستفحل في خريف 2014 باتخاذ الرئيس المؤقت، منصف المرزوقي ، باعفاء مواطني سبعة بلدان الافريقية من تأشيرة دخول بلادنا، ليرتفع عدد الدول الافريقية المعفية من التأشيرة الى 23 دولة، وما لحق ذلك من توسع أعداد المتسللين خلسة إلى بلادنا. ولا تملك مؤسسات الدولة الأمنية والاجتماعية أرقاما دقيقة ومحيّنة عن المقيمين على أراضيها من دول جنوب الصحراء الافريقية وأوضاعهم القانونية والاجتماعية والقطاعات التي ينشطون بها وخارطة توزعهم على مختلف الجهات. وشهدت الأشهر الأخيرة بروز ظاهرة اجتماعية جديدة عند هؤلاء المقيمين غير الشرعيين تمثلت في امتهان الكثير منهم في أعمال هشة مثل بيع المناديل الورقية وغسل بلور السيارات في الإشارات الضوئية وحتى التسول والدعارة، بعد أن كان أغلبهم يشتغلون في مهن الخدمات والبناء والفلاحة وهي قطاعات أصبح التونسيون ينفرون من العمل بها. إن التعاطي مع هذه الظاهرة يفترض التهدئة والتعقّل، بعيدا عن التشنج والانفعال الذي نعيشه اليوم، سواء من الادارة والسلطة أو من الجمعيات الحقوقية والرأي العام، والانطلاق من قناعات ثابتة أن الدولة بمختلف أجهزتها محمولة على حماية حدودها وتطبيق القانون بصرامة على كل ما لا تتوفر لديهم شروط الاقامة القانونية مهما كانت جنسياتهم ودياناتهم ومعتقداتهم وألوانهم، وهو عمل اداري وقانوني لا يحتمل تدخل أو احتجاج أي طرف، حقوقي أو انساني، طالما يتم تطبيقه بأساليب قانونية وحضارية تكفل كرامة المخالفين، ودون استعمال العنف أو غيرها من سلوكات الميز والوسم. ومن حق الدولة ملاحقة المارقين من المقيمين على أراضيها بصفة قانونية أو غيرها على أن تبقى العقوبة فردية وشخصية لا يتأذى منها، لا شعبيا ولا اداريا ، من لم يرتكب اي مخالفة أو تجاوز مهما كان اسم الدولة التي ينتمي إليها. إن الحديث عن عنصرية المجتمع التونسي فيه كثير من المبالغة لأن التونسيين هم من احتضنوا الافارقة وغيرهم الهاربين من أتون الحرب في ليبيا وهم من أنفقوا على الافارقة من بلدان جنوب الصحراء، المقيمين بصفة قانونية أو المتسللين أثناء فترة الكورونا والإغلاق التام ووفروا لهم الغذاء والدواء والسكن مجانا وتطوعا في كل جهات البلاد ، وبالتالي لا يمكن نعت الدولة بالعنصرية أو تشبيه أعمالها بحكومات اليمين المتطرف في أوروبا لمجرد إنها قامت بتطبيق القانون على المخالفين من دول افريقيا جنوب الصحراء. والمطلوب ايضا من التونسيين المتشنجين من وجود هؤلاء الافارقة بيننا عدم التهور او محاولة الاعتداء عليهم بالقول أو الفعل وترك الأمر الى الجهات الأمنية والإدارية اذ ليس من أخلاقنا وقيمنا وتعاليم ديننا الاعتداء أو الاساءة الى الغرباء ومن استجار بنا. نجم الدين العكّاري