يلعب التشغيل دورا حاسما في الحد من الفقر والحفاظ على كرامة الإنسان. ويعتمد خلق فرص العمل المستدامة على تعبئة القطاع الخاص لموارد مهمة ولازمة لدعم جهوده في هذا المجال، ولكن مكافحة البطالة تتطلب منهج عمل شامل للحد منها ومجابهة تداعياتها. وفي هذا الإطار، يواجه سوق العمل التونسي تحديات كبيرة، خاصة في صفوف الشباب وخريجي التعليم العالي. سجلت نسبة البطالة في تونس تراجعا طفيفا خلال الثلاثي الثاني لسنة 2024، بنسبة بلغت 0.2 بالمائة مقارنة بالإحصائيات المسجلة خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، حسب آخر مؤشرات التشغيل التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء. وقدّر المعهد الوطني للإحصاء، نسبة البطالة خلال الثلاثي الثاني للسنة الجارية ب 16 بالمائة مقابل 16.2 بالمائة في الثلاثي الأول لنفس السنة ليتراجع حسب تقديرات المعهد، عدد العاطلين عن العمل خلال الثلاثي الثاني من السنة الجارية إلى 661 ألفا و700 عاطل عن العمل مقابل 669 ألفا و300 عاطل عن العمل في الثلاثي الأول من نفس السنة. وارتفعت نسبة بطالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة خلال الثلاثي الثاني من سنة 2024 لتبلغ 41 بالمائة مقابل 39.2 بالمائة خلال الثلاثي الأول من نفس السنة. منذ عام 2007، ارتفعت معدلات البطالة في تونس بنسبة 50 بالمائة تقريبًا، مما أثر على قطاعات كبيرة من الشباب سيما من هم دون سن 35 عامًا. ويبلغ معدل البطالة أعلى مستوياته بين ذوي المؤهلات العالية، حيث يصل إلى 28 بالمائة، منهم حوالي 40 بالمائة من خريجي الجامعات. وتتأثر بظاهرة البطالة بشكل خاص الاناث ذوات المؤهلات العالية، حيث يتجاوز معدل البطالة في صفوفهن 38 بالمائة. وفي المناطق الداخلية، يتجاوز معدل البطالة 42 بالمائة، مقارنة ب 23 بالمائة في الشريط الساحلي، علما ان معدل البطالة يتجاوز اجمالا 15.6 بالمائة في الربع الثاني من 2023. وبالإضافة إلى ذلك، يتميز سوق العمل التونسي بانخفاض مشاركة المرأة، اذ تناهز النسبة، في هذا الصدد، بالكاد عن 26 بالمائة. وتشير المعطيات الى ان معظم العاطلين عن العمل هم من الباحثين عن عمل لأول مرة والعاملين غير الدائمين، ويمثلون حوالي 56 بالمائة من المجموع. كما يواجه خريجو التعليم العالي بشكل رئيسي شكلين من البطالة: البطالة الناتجة عن اختلال التوازنات الاقتصادية والبطالة المنجرة عن عدم ملائمة المؤهلات لطلبات المشغلين. هذا وظل ما يقرب من 60 بالمائة من خريجي التعليم العالي العاطلين عن العمل في هذا الوضع لمدة خمس سنوات على الأقل، وأكثر من 926000 شاب تحت سن 30 عامًا يعتبرون حاليًا شبانا لا يعملون ولا هم في التعليم ولا في التكوين. وعلى الرغم من انخفاض عدد الشباب وتراجع الطلب في سوق الشغل، فإن البطالة لا تزال قائمة. لحل مشكلة البطالة، من الأهمية بمكان التحرك نحو قطاعات تشغيل جديدة وتنفيذ استراتيجية شاملة لتنظيم سوق الشغل. ويقتضي ذلك العمل على دعم العرض والطلب في مجال التشغيل، مع التدخل بشكل مباشر لتطوير مبادرات خلق فرص العمل. ولتعزيز خلق فرص العمل في تونس، فإنه من الضروري تعبئة جميع الآليات المتاحة. على مستوى العرض، من المهم تشجيع إحداث المؤسسات، وتعزيز التوجيه المهني، ومواصلة دعم برامج سياسات سوق العمل النشطة. وعلى جانب الطلب، من المهم خلق فرص عمل جديدة وحماية الوظائف القائمة من خلال سياسات داعمة، مع وضع برامج مستهدفة مثل دعم الأجور وخطط تقاسم العمل. تتطلب مكافحة البطالة في تونس مقاربة متكاملة تجمع بين التدابير الرامية إلى تحفيز النمو الاقتصادي ودعم ريادة الأعمال وخلق فرص العمل في قطاعات مبتكرة وذات قيمة مضافة عالية. ولن يتم التمكن من مواجهة هذا التحدي وخلق مستقبل أفضل للشباب التونسي إلا بتضافر جهود كل الأطراف المعنية.