نظّمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات أمس ندوة خصّصت لتناول شخصية الدكتور سليمان بن سليمان ومسيرته النضالية. والدكتور بن سليمان هو أحد مناضلي الحركة الوطنية وهو الوحيد الذي اختار الانضمام الى المعارضة في عهد الاستقلال، ولد في 13 فيفري 1905 بمدينة زغوان حيث درس الابتدائي ثم التحق بالمدرسة الصادقية سنة 1928 وحصل على شهادة الباكالوريا رياضيات ثم التحق بكلية الطب بباريس حيث استمرّت إقامته الى حدود 1937 وحيث ناضل في صفوف جمعية طلبة شمال افريقيا المسلمين والحزب الحر الدستوري الجديد ونجم شمال افريقيا، وعند عودته الى تونس التحق بالديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد، ألقي القبض عليه يوم 4 أفريل 1938 ونفي مع بعض الدتسوريين الى تبرسق ثم إلى حصن سان نيكولا بمرسيليا، وعندما أطلق سراحه سنة 1943 عاد الى الديوان السياسي ليمثله سنة 1949 في اللجنة التونسية للحرية والسلم التي ترأسها غير أنه رفض دعوة قياديي الحزب الاستقالة منها وهو ما أدّى إلى رفته من الديوان السياسي. وبقي الدكتور بن سليمان غداة الاستقلال قريبا من الشيوعيين التونسيين الذين ساعدوه على اصدار جريدة «منبر التقدّم» (تريبون دي بروقري) في ديسمبر 1960 التي أوقفت في جانفي 1963 حينما تمّ الكشف عن محاولة انقلابية، وفي سنة 1967 ترأس لجنة التضامن مع الشعب الفيتنامي وفي الأثناء لم تنقطع علاقاته ببورقيبة إلى أن توفي في 25 فيفري 1986. ندوة الأمس تناولت تفاصيل ضافية عن مسيرة هذا الرجل المتميز وعن علاقته ببورقيبة وبالتيار اليساري والشيوعي التونسي قدمها السيدان جورج عدّة الوجه الوطني المعروف وعبد الحميد بن مصطفى القيادي في الحزب الشيوعي السابق اللذان كانت لهما علاقة مباشرة وروابط مع الدكتور بن سليمان. راديكالية يقول جورج عدّة إنه من الصعب جدا الحديث عن سليمان بن سليمان الذي كانت له معه علاقات سياسية وإنسانية ويومية. وقد تعرّف عدّة على بن سليمان سنة 1936 عندما عاد من باريس وكان وقتها قد أطلق سراحه من السجن وقال انه كان رجلا «راديكاليا» لا يتراجع مطلقا عن كلمة لفظها أو موقف أو قرار اتخذه فقد كان مطويا من فئة «المطاوة» التي كانت تتصدّى لكلّ من يحاول قطع وإفساد اجتماعات الجماعة اليسارية والاشتراكية من الدستوريين. ويضيف جورج عدّة قوله إنّ بن سليمان كان حقا نموذجا للرجال الذي يمثل صوت الشعب داخل الحزب الدستوري وقد انطلقت علاقته بالتيار الاشتراكي التقدمي منذ بداياته ثم توطّدت علاقاته بهم عندما سافر إلى فرنسا. وكان وفيا جدا لمبادئ الاشتراكية الى درجة أنه أطرد من الحزب الدستوري لتمسكه بهذه المبادئ، وتمسّكه بآراء ومواقف أخرى أثارت حفيظة بورقيبة وعدد من قادة الحزب مثل موقفه من هزيمة فرنسا على يد الألمان حيث لم يتوان عن التصريح بارتياحه لهذه الهزيمة بناء على قاعدة «عدوّ عدوّي صديقي». ونفى جورج عدّة بشدّة أن يكون صراع سليمان بن سليمان مع بورقيبة مثل بن يوسف على رئاسة الحزب أو على الزعامة وإنما كان هذا الصراع مبنيا على أسس ومبادئ أخرى أسمى وأرقى. تفاصيل الإقصاء وتحدّث عبد الحميد بن مصطفى من جانبه عن علاقته الشخصية بالمناضل سلميان بن سليمان فأفاد أنه تعرّف على الرجل وهو صبيّ في الثالثة عشرة يوم 9 أفريل 1938 عندما كان الجيش الفرنسي يطلق النار على جماهير الشعب التونسي بباب سويقة ثم علم بعد ذلك أن القادة الدستوريين ومنهم الدكتور بن سليمان تمّ توقيفهم وسجنهم لخمس سنوات.. وعندما أطلق سراحهم كان من الذين استقبلوهم في عهد المنصف باي ذلك العهد القصير والمنعش والذي انتهى بتنحية المصنف باي ونفيه. وأوضح المتحدث أنه لم يكتشف تبنّي الدكتور بن سليمان للمبادئ الماركسية والشيوعية إلا عندما قرأ له مقالا صحفيا صرّح فيه بذلك وقال إن هذه المبادئ هي التي تسبّبت في إقصائه من الحزب الدستوري الذي اختار الانحياز للمعسكر الغربي كما كان يردّد ذلك الزعيم صالح بن يوسف. ورغم هذا الإقصاء والحديث للسيد بن مصطفى فإن الدكتور سليمان بن سليمان بقي متمسّكا بالخطّ الشيوعي وعلى صلة دائمة برموز هذا الخطّ ولكنه كان وحيدا في هذا التوجّه من بين القادة الدستوريين الذين يكنون له الاحترام والمحبّة. وكشف عبد الحميد بن مصطفى في السياق نفسه عن تفاصيل مثيرة في حياة بن سليمان بعد عملية إقصائه من ذلك أن بورقيبة دعاه لتشكيل قائمة مشتركة تضمّ مرشحين عن الحزب الدستوري ومرشحين عن الحزب الشيوعي للانتخابات التشريعية لسنة 1959 ولكنه رفض الدخول في هذه القائمة استجابة لقرار قادة الحزب الشيوعي رغم أن هناك من كان يساند هذا الترشح ودخول بن سليمان الى مجلس الأمة ليمثل صوت الحزب وأعضائه بالمجلس. وتطرّق المتحدث الى حادثة إيقاف جريدة «تريبون دي بروقري» الناطقة باسم الحزب الشيوعي في أواخر سنة 1962 بتهمة التآمر على رئيس الجمهورية وكيف تمّ بعد ذلك فرض سيطرة وهيمنة الحزب الحاكم وحظر نشاط الحزب الشيوعي، ولتبرير هذه السياسات والممارسات التي لا مبرّر لها تمّ فتح تحقيقات قضائية مع الدكتور بن سليمان الذي تمّ إقصاؤه إثر ذلك من المستشفى الذي كان يعمل فيه نصف الوقت. رفض وكشف المتحدث أيضا كيف تمّ التعامل مع صالح بن يوسف ووفاته في ظروف غامضة أثناء خلافه مع بورقيبة وكيف طلب أحمد المستيري في تلك الظروف وذلك المنعرج الخطير في تاريخ تونس وكان وقتها وزيرا للداخلية من الدكتور بن سليمان إعادة إصدار جريدة «تريبون» ولكنه رفض هذا الطلب وكان ردّه أنه لا يتعاون إلاّ مع الشيوعيين في تونس. وأوضح عبد الحميد بن مصطفى من جهة أخرى أنه وخلافا لما يعتقده الكثيرون لم يكن الدكتور بن سليمان شيوعيا ولكنه كان صديقا وفيا للشيوعية وكان دائما يقدّم نفسه أنه سياسي دستوري تمّ طرده من الحزب الدستوري. واختتم أنه كان يحمل آراء تقدّمية جدا وكان يتحلّى بالسلوك الحضاري وكان ينتهج قيم اليسر والرّحمة في تديّنه وكان يرفض التعصّب والتعجرف.